في الإنسان: لا مماس ولا مباين؟ فإذا قالوا: نعم، قيل: فأخبرونا عن معبودكم: مماس هو أم مباين؟ فإذا قالوا لا يوصف بهما.
قيل لهم: فصفة إثبات الخالق كصفة عدم المخلوق، فلم لا تقولون عدم، كما تقولون للإنسان: عدم إذا وصفتموه بصفة العدم.
يقول: أنتم تعرفون أن سلب هذين المتقابلين جميعاً هو من صفات المعدومات، فالموجود الذي تعرفونه، القائم بنفسه، لا يقال: إنه ليس مبايناً لغيره من الأمور القائمة بأنفسها ولا مماساً لها، بخلاف المعدوم، فإنه يقال: لا هو مماس لغيره ولا مباين له، فإذا وصفتموه بصفة المعدوم، فجعلتم ما هو صفة لما هو عدم في الموجودات صفة للخالق الموجود الثابت، وحينئذ فيمكن أن يوصف بأمثال ذلك، فيقال: هو عدم كما يوصف ما عدم من الأناسي بأنه عدم، فقال لهم: إذا كان عدم الموجود وجوداً له، فإذا كان العدم وجوداً، كان الجهل علماً، والعجز قوة، أي إذا جعلتم المعدوم - الذي لا يعقل إلا معدوماً - جعلتموه موجوداً، أمكن حينئذ أن يجهل علماً، والعجز قوة، والموت حياة والخرس كلاماً والصمم سمعاً، والعمى بصراً وأمثال ذلك.
وهذا حقيقة قول النفاة، فإنهم يصفون الرب بما لا يوصف به إلا المعدوم، بل يصفون الموجود الواجب بنفسه، الذي لا يقبل العدم بصفات الممتنع الذي لا يقبل الوجود، فإن كان هذا ممكناً أمكن أن يجعل أحد المتناقضين صفة لنقيضه، كما ذكر.