ومن صار من أخل الكلام إلى القول بتكافؤ الأدلة والحيرة فإنما ذلك لفساد استدلاله إما لتقصيره، وإما لفساد دليله، ومن أعظم أسباب ذلك الألفاظ المجملة التي تشتبه معانيها.
وهؤلاء الذين يعارضون الكتاب والسنة بأقوالهم بنوا أمرهم على اصل فاسد، وهو أنهم جعلوا أقوالهم التي ابتدعوها هي الأقوال المحكمة التي جعلوها أصول دينهم، وجعلوا قول الله ورسوله من المجمل الذي لا يستفاد منه علم ولا هدى، فجعلوا المتشابه من كلامهم هو المحكم من كلام الله ورسوله هو المتشابه، كما يجعل الجهمية من المتفلسفة والمعتزلة ونحوهم ما أحدثوه من الأقوال التي نفوا به صفات الله، ونفوا بها رؤيته في الآخرة وعلوه على خلقه، وكون القرآن كلامه ونحو ذلك، جعلوا تلك الأقوال محكمة، وجعلوا قول الله ورسوله مؤولاً عليها، أو مردوداً، أو غير ملتفت إليه ولا متلقى للهدى منه فتجد أحدهم يقول: ليس بجسم، ولا جوهر، ولا عرض، ولا له كم، ولا كيف، ولا تحله الأعراض والحوادث ونحو ذلك، وليس بمباين للعالم ولا خارج عنه.
فإذا قيل: إن الله أخبر أن له علماً وقدرة، قالوا لو كان له علم وقدرة للزم أن تحله الأعراض، وأن يكون جسماً، وأن يكون له كيفية وكمية، وذلك منتف عن الله، لما تقدم.
ثم قد تقول: إن الرسول قصد بما ذكره من أسماء الله وصفاته أموراً لا نعرفها، وقد تقول: إنه قصد خطاب الجمهور فإفهامهم الأمر على غير حقيقته، لأن مصلحتهم في ذلك قد يفسر صفة بصفة، كما يفسر الحب والرضا والغضب