فإذا ذكروا ذلك النوع البين، ظنوا أن المقدمة صارت معلومة ضرورية، والمطلوب لا يتم إلا ببيان النوع الآخر، وهم لم يبينوه.
وهذا مما يبين للفاضل المعتبر كيف تدخل الشبهات والبدع على كثير من الناس، وإن كانوا من أعقل الناس وأذكاهم وأفضلهم، وإن كانوا لم يعتمدوا التلبيس لا على أنفسهم، ولا على من يعلمونه ويخاطبونه، لكن اشتبه الأمر عليهم، فوقعوا في شبهات ظنوها بينات.
وهذا مما يعتبر به المسلم فلا يعدل عن كلام الله وكلام رسوله المعصوم، الذي عرف أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إلى كلام من يروج عليهم مثل هذه الشبهات، ويغرقون في مثل هذه المجملات، ولا يتبين لهم ما فيها من فصل الخطاب، والتقسيم المميز للصحيح من السقيم.
ويعرف بهذا حذق السلف والأئمة، الذين ذموا مثل هذا الكلام، وجعلوه من الجهل الذي يستحق أهله العقوبة والانتقام.
لكن هؤلاء ذكروا في موضع آخر الكلام مع من يدعي وجود ما لا يتناهى، وبحثوا معه، وإن كانوا لم يجعلوا ذلك من المقدمات التي لا بد منها في هذه المسألة.
وقد ذكر القاضي أبو بكر بعد هذا فقال: (فصل: فإن قال قائل من أهل الدهر، الذاهبين إلى أنه: لا حركة إلا وقبلها