وإقامة الحجج، وإنما هو الجبار الذي جبر القلوب على فطرتها، وأقامها مع مقدرتها، لم يكلفها فوق الطاقة، ولا شططاً، فجبر على معرفة ربوبيته ووحدانيته، ولم يجبر على ما سوى ذلك من المعارف كما زعمت المجبرة، فمن أهل الكلام من يزعم أن المعارف كلها اضطرار، وذلك غلط.
وهو قول جمهور شيوخ الاعتزال والمجبرة وبعض المتشيعة، ومنهم من يزعم أن جميعها اكتساب، وذلك أيضاً غير صواب، وبه يقول القدرية وبقايا الاعتزال وغيرهم، وأصحاب الحديث وأهل الظاهر، فيقولون بالاضطرار والاكتساب.
والأمر هو ما ذكرنا، والصواب ما شرحنا، لأن كل مقالة خالفت ما رتبنا فمنقوضة مضطربة، نصرح بإبطالها، ونومي إلى تناقض الأحاديث، فمعارف الاضطرار لا تفاوت فيها، ومعارف الاكتساب يقع فيها التفاوت، ويتفاضل الناس فيها على قدر ما ذكرنا.
فلما ثبت أنه القديم الأزلي وحده، وما سواه محدث، وكان القاهر لهم على الاتحاد والفناء، كانت المعرفة لهم من هذا الوجه اضطراراً وجبلاً، وكذلك لما اضطرهم في الذر، وخاطبهم كفاحاً في غير زمان التكليف، لم يجز أن يكون ذلك بكسب، فلما أرسل رسله، وأنزل كتبه، وتعرف على ألسنة السفراء، لم يصح أن يكون ذلك جبراً ولا ضرورة فيسقط