ولا يجوز أن يكون كذلك: لا لنفسه، ولا لمعنى، ولا لأمر، لأن ذلك يؤدي إلى أن لا يكون بالوجود في وقت أولى من عدمه وبقائه على عدمه، ولما علو أن اختصاصه بالوجود أولى من عدمه، بطل أن يكون إلا لأمر، وإذا بطلت هذه الأقسام، علم أن هذه الحوادث إنما اختصت في الوجود في أوقات معينة لجاعل جعله، وأراد تقديم أحدهما على الآخر، وتأخر بعضها عن بعض، فثبت ما قلناه.
فهذا الذي ذكره القاضي أبو يعلى، ومن سلك هذه الطريقة كأبي محمد بن اللبان، وقبلهما القاضي أبو بكر، وغيرهم: هي من جنس ما تقدم.
وهؤلاء غالبهم إذا ذكروا طريقتهم في حدوث الأجسام، بأن ما لا يسبق الحوادث فهو حادث، ذكروا ذلك مسلماً، كأنه بين، وإذا ذكروا مع ذلك أن الحوادث يجب تناهيها، وجعلوا ذلك بمنزلة المسلم أو المقدمة الضرورية، تسوية بين النوع وأشخاصه فيقولون مثلاً إذا أثبتوا حدوث الأعراض وأن الجسم مستلزم لها: الحوادث لها أول أبتدئت منه، خلافاً لابن الراوندي وغيره من الملحدة.
والدلالة على ذلك علمنا بأن معنى المحدث أنه الموجود عن عدم، ومعنى الحوادث أنها موجودة عن عدم، فلو كان فيها ما لا أول له، لوجب أن يكون قديماً، وذلك فاسد لما بينا من إقامة الدلالة على حدوثها.