وإن شئت أدخلت المقدمة الأولى في التقدير أيضاً، كما تقدم التنبيه عليه ن، حتى يظهر الجواب على كل تقدير، وعلى قول كل طائفة من نظار المسلمين، إذ كان منهم من يقول: التأثير في المحدثات وجودي قديم، ومنهم من يقول، هو أمر عدمي، ومنهم من يقول بتسلسل الآثار الحادثة.
والدهري بنى حجته عل أنه لا بد من تأثير وجودي قديم، وأنه حينئذ يلزم قدم الأثر.
فيجاب على كل تقدير، فيقال: التأثير إن كان عدمياً بطلت المقدمة الأولى، وجاز حدوث الحوادث بدون تأثير وجودي، وإن كان وجودياً ـ وتسلسل الحوادث ممكن ـ أمكن حدوثه بآثار متسلسلة، وبطل قولك بامتناع تسلسل الآثار، وإن كان تسلسل الآثار ممتنعاً لزم: إما التأثير القديم، وإما التأثير الحادث بالقدرة، أو بالقدرة والمشيئة القديمة، وحينئذ فالحوادث مشهودة، فتكون صادرة عن تأثير قديم أو حادث، وإذا جاز صدور الحوادث عن تأثير قديم أو حادث بطلت الحجة.
وأصل هذا الكلام: أنا نشهد حدوث الحوادث، فلا بد لها من محدث، هو المؤثر، وإحداثه هو التأثير، فالقول في إحداث هذه الحوادث والتأثير فيها، كالقول في إحداث العالم والتأثر فيه.
وهؤلاء الدهرية بنوا هذه الحجة على أنه لا بد من تأثير حادث، فيفتقر إلى تأثير حادث، كما بنوا الأولى على أنه لا بد من سبب حادث، فمأخذ الحجتين من مشكاة التسلسل في الآثار: القائلون بقدم العالم، والقائلون بحدوثه، كما يجوزه طوائف من أهل الملل، أو أكثر أهل الملل.