وعلى التقديرين يلزم أن لا يكون واحد منهما قادراً، فإنه إذا لم يمكنه أن يريد ويفعل، إلا ما يريده الآخر ويفعله، والآخر كذلك، وليس فوقهما أحد يجعلهما قادرين مريدين، لم يكن هذا قادراً مريداً، حتى يكون الآخر قادراً مريداً.
وحينئذ فإن كان كل منهما جعل الآخر قادراً مريداً، كان هذا دوراً قبلياً، وهو دور في الفاعلين والعلل.
كما لو قيل: لا يوجد هذا حتى يوجده هذا، ولا يوجد هذا حتى يوجده الآخر، فإن هذا محال ممتنع في صريح العقل، ولم ينازع العقلاء في امتناع ذلك، وهذا يسمى الدور القبلي.
بخلاف ما إذا قيل: لا يكون هذا إلا مع هذا، ولا هذا إلا مع هذا، كالأمور المتلازمة، فإن هذا يسمى الدور المعي الاقتراني.
وذلك جائز، كما إذا قيل: ذات الرب لا تكون إلا مع صفاته اللازمة لها، وصفاته اللازمة لها لا تكون إلا مع ذاته، وقيل: لا تكون حياته إلا مع علمه، ولا علمه وحياته إلا مع قدرته، ونحو ذلك.
فتبين أنه يمتنع أن تكون قدرة كل منهما مستفادة من قدرة الآخر.
وإن قيل: بل كل منهما قادر مريد، من غير أن يستفيد أحدهما ذلك من الآخر.
وهو دور معي لا قبلي، كان هذا أيضاً باطلاً.
فإنه حينئذ يجب أن تكون قدرة كل منهما من لوازم ذاته، فلزم أن صانع العالم لا بد أن يكون قادراً، قدرة لا يحتاج فيها إلى غيره، بل تكون من لوازم ذاته، وهذا حق.