قلت: قوله على مذهب المجادلة -يعني المعارضة والنقض- التي تبطل حجة المستدل، وتبين أنها فاسدة وإن لم يعلم حلها، وذلك أن ما ذكره في العلم يلزم مثله بطريق الأولى في الفعل، فإنه من المعلوم بصريح العقل أن كون الشيء مفعولاً دون كونه معلوماً، فإن المفعولات دون الفاعل، وليس كل معلوم دون العالم، فالإنسان يعلم ما هو أكمل منه، ولا يفعل ما هو أكمل منه.
فالمفعول يجب أن يكون دون الفاعل، ويجب أن يكون الفاعل أكمل من المفعول، ولا يجب مثل ذلك في العالم والمعلوم، بل يجوز أن يعلم العالم ما هو أكمل منه، وما لا يفتقر إليه بوجه من الوجوه.
وأما مفعوله فهو مفتقر إليه.
فإذا لم يكن كون الأشياء مفعولة له، مما يوجب نقصاً له وكمالاً بها، فأن لا يوجب كونها معلومة له نقصاً له وكمالاً بها بطريق الأولى، إذ كونها مفعولة أنقص لها من كونها معلومة له، فإذا كانت فاعليته لا تتم إلا بها، ولم يكن ذلك نقصاً، فأن لا تكون عالميته التي لا يتم إلا بها نقصاً بطريق الأولى.
وذلك من وجوه:
أحدها: أن كونها مفعولة أنقص لها من كونها معلومة.
الثاني: أن لزوم الفعل له أولى بأن يجعل نقصاً من لزوم العلم له.
الثالث: أن استلزام الفاعلية المفعول أولى من استلزم العالمية لوجود