وكل حادث يدل على ذلك كما يدل عليه الآخر، وكل حادث كما دل على عين الخالق، فكذلك الآخر يدل عليه، فلهذا كانت المخلوقات آيات عليه، وسماها الله آيات، والآيات لا تفتقر في كونها آيات إلى قياس كلي: لا قياس تمثيلي، ولا قياس شمولي، وإن كان القياس شاهداً لها مؤيداً لمقتضاها، لكن علم القلوب بمقتضى الآيات والعلامات لا يجب أن يقف على هذا القياس، بل يعلم موجبها مقتضاها، وإن لم يخطر لها أن كل ممكن فإنه لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح، أو لا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجح.
ومن هنا يتبين لك أن ما تنازع فيه طائفة من النظار وهو أن علة الإفتقار إلى الصانع، هل هو الحدوث أو الإمكان، أو مجموعيهما، لا يحتاج إليه، وذلك أن كل مخلوق فنفسه وذاته مفتقرة إلى الخالق، وهذا الافتقار وصف له لازم.
ومعنى هذا أن حقيقته لا تكون موجودة إلا بخالق يخلقه، فإن شهدت حقيقته موجودة في الخارج علم أنه لا بد لها من فاعل، وإن تصورت في العقل علم أنها لا توجد في الخارج إلا بفاعل، ولو قدر أنها تتصور تصوراً مطلقاً علم أنها لا توجد إلا بفاعل فهي في نفسها لا توجد إلا بفاعل وهذا يعلم بنفس تصورها وإن لم يشعر القلب