الصَّيَارِفَةِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا) فَيَجُوزُ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْأَوَّلِ التَّقْيِيدُ بِالْمَكَانِ، وَفَائِدَةَ الثَّانِي التَّقْيِيدُ بِالنَّوْعِ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ عُرْفًا لَا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَكَذَا) لَا يَكُونُ مُخَالِفًا (لَوْ قَالَ اشْتَرِ فِي سُوقِهَا) أَيْ الْكُوفَةِ (فَاشْتَرَى فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ سُوقِ الْكُوفَةِ لِأَنَّ أَمَاكِنَ الْمِصْرِ كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي السِّعْرِ وَالنَّقْدِ وَالْأَمْنِ فَيَجُوزُ (بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا تَشْتَرِ فِي غَيْرِ السُّوقِ) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ لَوْ اشْتَرَاهُ فِي غَيْرِهِ فَيَضْمَنُ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْحَجْرِ، وَالْوِلَايَةُ إلَى الْمَالِكِ.
وَفِي الْعِنَايَةِ كَلَامٌ، فَلْيُطَالَعْ.
(وَإِنْ قَالَ) الْمَالِكُ لِلْمُضَارِبِ (خُذْ هَذَا الْمَالَ، تَعْمَلُ بِهِ) أَيْ بِالْمَالِ (فِي الْكُوفَةِ) مَرْفُوعًا أَوْ مَجْزُومًا (أَوْ) خُذْ هَذَا الْمَالَ (فَاعْمَلْ بِهِ) أَيْ بِالْمَالِ (فِيهَا) أَيْ الْكُوفَةِ (أَوْ خُذْهُ) أَيْ الْمَالَ الْمُضَارَبَ (بِالنِّصْفِ فِيهَا) أَيْ فِي الْكُوفَةِ (فَهُوَ تَقْيِيدٌ) فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي غَيْرِ الْكُوفَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ " تَعْمَلُ بِهِ " تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ خُذْهُ، وَالْكَلَامُ الْمُبْهَمُ إذَا تَعَقَّبَهُ تَفْسِيرٌ كَانَ الْحُكْمُ لِلتَّفْسِيرِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فَاعْمَلْ بِهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّفْسِيرِ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْوَصْلِ وَالتَّعْقِيبِ، وَاَلَّذِي وَصَلَ الْكَلَامَ الْمُبْهَمَ وَتَعَقَّبَهُ كَانَ تَفْسِيرًا لَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: خُذْهُ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فِي الْكُوفَةِ لِأَنَّ " فِي " لِلظَّرْفِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْبَلْدَةُ ظَرْفًا إذَا حَصَلَ الْفَاعِلُ وَالْفِعْلُ فِيهَا، وَكَذَا إذَا قَالَ: خُذْهُ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِالْكُوفَةِ لِأَنَّ " عَلَى " لِلشَّرْطِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (بِخِلَافِ خُذْهُ) أَيْ الْمَالَ مُضَارَبَةً (وَاعْمَلْ بِهِ فِيهَا) أَيْ فِي الْكُوفَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِتَقْيِيدٍ حَتَّى لَا يَضْمَنَ فِي الْعَمَلِ فِي غَيْرِهَا لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ، وَالشَّيْءُ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُعْطَفُ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ تَكُونُ لِلِابْتِدَاءِ إذَا كَانَتْ بَعْدَهَا جُمْلَةٌ فَتَكُونُ مَشُورَةً لَا شَرْطًا لِلْأَوَّلِ.
وَالضَّابِطُ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ مَتَى ذَكَرَ عَقِيبَ الْمُضَارَبَةِ مَا لَا يُمْكِنُ التَّلَفُّظُ بِهِ ابْتِدَاءً أَوْ يُمْكِنُ جَعْلُهُ مَبْنِيًّا عَلَى مَا قَبْلَهُ يُجْعَلُ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ، كَمَا فِي الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ الَّتِي تُذْكَرُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ اسْتَقَامَ الِابْتِدَاءُ بِهِ لَا يُبْنَى عَلَى مَا قَبْلَهُ وَيُجْعَلُ مُبْتَدَأً كَمَا فِي اللَّفْظِ الْأَخِيرِ.
(وَلِلْمُضَارِبِ أَنْ يَبِيعَ بِنَسِيئَةٍ) مُعَارَفَةً عِنْدَ التُّجَّارِ كَسَنَةٍ أَوْ دُونَهَا (مَا لَمْ يَكُنْ إجْلَالًا يَبِيعُ إلَيْهِ التُّجَّارُ) كَعِشْرِينَ سَنَةً مَثَلًا، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَبِيعُ بِنَسِيئَةٍ إلَّا بِإِذْنِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِالنَّسِيئَةِ يُوجِبُ قَصْرَ يَدِ الْمُضَارِبِ عَنْ التَّصَرُّفِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ دَفْعِهِ الْمَالَ مُضَارَبَةً فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنٍ، وَلَنَا أَنَّ الْبَيْعَ بِالنَّسِيئَةِ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى تَحْصِيلِ الرِّبْحِ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ رَبِّ الْمَالِ فَإِنَّهُ بِالنَّسِيئَةِ أَكْثَرُ مِنْهُ بِالنَّقْدِ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سَفِينَةً لِلرُّكُوبِ وَلَهُ أَنْ يَسْتَكْرِيَهَا اعْتِبَارًا لِعَادَةِ التُّجَّارِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَإِنْ بَاعَ) الْمُضَارِبُ (بِنَقْدٍ ثُمَّ أَخَّرَ) أَيْ الثَّمَنَ (صَحَّ إجْمَاعًا) أَمَّا عِنْدَهُمَا فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ ذَلِكَ فَالْمُضَارِبُ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُقَابِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute