للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَذَلِكَ (فَدَفَعَهَا) أَيْ الْوَدِيعَةَ (إلَى جَارِهِ) فِي صُورَةِ الْحَرْقِ (أَوْ) دَفَعَهَا (إلَى سَفِينَةٍ أُخْرَى) فِي صُورَةِ الْغَرَقِ فَضَاعَتْ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْفَظَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ فَصَارَ مَأْذُونًا فِيهِ دَلَالَةً وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: امْرَأَةٌ حَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ وَعِنْدَهَا وَدِيعَةٌ فَدَفَعَتْهَا إلَى جَارَةٍ لَهَا فَهَلَكَتْ عِنْدَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ وَفَاتِهَا بِحَضْرَتِهَا أَحَدٌ مِنْ عِيَالِهَا لَا يَضْمَنُ.

وَفِي التَّبْيِينِ هَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى مَنْ هُوَ فِي عِيَالِهَا، وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِعِيَالِهِ فَدَفَعَهَا إلَى الْأَجْنَبِيِّ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لَهُ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ أَلْقَاهَا فِي سَفِينَةٍ أُخْرَى، وَهَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِرَّ فِيهَا بِأَنْ وَقَعَتْ فِي الْبَحْرِ ابْتِدَاءً أَوْ بِالتَّدَحْرُجِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ، وَفِي الْمِنَحِ إنْ ادَّعَى الْمُودَعُ التَّسْلِيمَ إلَى جَارِهِ أَوْ إلَى فُلْكٍ آخَرَ صُدِّقَ إنْ عُلِمَ وُقُوعُهُ أَيْ الْغَرَقِ بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ لَا يُصَدَّقُ.

(فَإِنْ طَلَبَهَا) أَيْ الْوَدِيعَةَ (رَبُّهَا فَحَبَسَهَا) أَيْ حَبَسَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ.

(وَ) الْحَالُ (هُوَ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ (صَارَ غَاصِبًا) فَيَضْمَنُ إنْ ضَاعَتْ لِوُجُودِ التَّعَدِّي بِمَنْعِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَبَهُ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِإِمْسَاكِهِ بَعْدَهُ فَيَضْمَنُهَا بِحَبْسِهِ عَنْهُ

وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَرَدَّهَا فَقَالَ لَمْ أَقْدِرْ أَنْ أَحْضُرَ هَذِهِ السَّاعَةَ فَتَرَكَهَا فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّرْكِ صَارَ مُودِعًا ابْتِدَاءً وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَرَدَّهَا فَقَالَ: اُطْلُبْهَا غَدًا فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ قَالَ: هَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ إنْ هَلَكَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ: اُطْلُبْهَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ وَقْتَ الْفِتْنَةِ وَلَمْ يَرُدَّهَا خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى مَالِهِ بِأَنْ كَانَ مَدْفُونًا مَعَ مَالِهِ لَا يَضْمَنُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ.

(وَكَذَا) يَضْمَنُ إنْ هَلَكَتْ (لَوْ) طَلَبَهَا صَاحِبُهَا وَ (جَحَدَهُ) أَيْ جَحَدَ عِنْدَ مَالِكِهَا عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ بِقَرِينَةِ مُقَابِلِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ بِخِلَافِ جَحْدِهَا عِنْدَ غَيْرِهِ (إيَّاهَا) أَيْ الْوَدِيعَةَ بِأَنْ قَالَ: لَمْ تُودِعْنِي.

(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَقَرَّ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْجُحُودِ؛ لِأَنَّ بِالطَّلَبِ ارْتَفَعَ عَقْدُ الْوَدِيعَةِ فَصَارَ غَاصِبًا بَعْدَهُ (بِخِلَافِ جَحْدِهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ (عِنْدَ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُودَعِ، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ.

وَقَالَ زُفَرُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ بِالْجُحُودِ صَارَ غَاصِبًا فَيَضْمَنُ، وَلَنَا أَنَّ إنْكَارَهُ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمَالِكِ كَانَ لِحِفْظِ الْوَدِيعَةِ خَوْفًا عَلَيْهَا مِنْ طَمَعِ طَامِعٍ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ بِخِلَافِ حَضْرَتِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ: مَا حَالُ وَدِيعَتِي عِنْدَك لِيَشْكُرَ عَلَى حِفْظِهَا فَجَحَدَهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ

وَإِلَى أَنَّ الْمُودَعَ لَوْ ادَّعَى أَنَّ الْمَالِكَ وَهَبَهَا مِنْهُ أَوْ بَاعَهَا لَهُ وَأَنْكَرَ صَاحِبُهَا، ثُمَّ هَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَإِلَى أَنْ تَكُونَ الْوَدِيعَةُ مَنْقُولًا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَقَارًا لَا يَضْمَنُ بِالْجُحُودِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

وَفِي الْبَحْرِ هَذَا إذَا نَقَلَهَا مِنْ مَكَانِهَا وَقْتَ الْإِنْكَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْقُلْهَا مِنْ مَكَانِهَا حَالَ جُحُودِهِ فَهَلَكَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.

وَقَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ: وَلَوْ جَحَدَ الْوَدِيعَةَ، ثُمَّ ادَّعَى رَدَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَبَرْهَنَ عَلَى الرَّدِّ قَبْلَ بُرْهَانِهِ وَبَرِئَ

<<  <  ج: ص:  >  >>