(وَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ، وَالْعَدُوِّ الْمُكَابِرِ) لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِصِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ بِالصُّلْحِ عَلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ، وَالْأَئِمَّةِ، وَعَلَى هَذَا حُكْمُ الْوُلَاةِ، وَالْقُضَاةِ عَمَلًا بِالْقَوْلَيْنِ.
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً، وَإِنْ فَاسِدَةً لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا (وَيَضْمَنُ مَا) أَيْ الَّذِي (تَلِفَ بِعَمَلِهِ) أَيْ بِعَمَلِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ (اتِّفَاقًا كَتَخْرِيقِ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ) أَيْ دَقِّ الْقَصَّارِ (وَزَلَقِ الْحَمَّالِ) إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مُزَاحَمَةِ النَّاسِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ، فَإِنَّ التَّلَفَ الْحَاصِلَ مِنْ زَلَقِهِ حَصَلَ مِنْ تَرْكِهِ التَّثْبِيتَ فِي الْمَشْيِ (وَانْقِطَاعِ الْحَبْلِ الَّذِي يَشُدُّ بِهِ الْمُكَارِي) الْحِمْلَ، فَإِنَّ التَّلَفَ الْحَاصِلَ بِهِ حَصَلَ مِنْ تَرْكِهِ التَّوْثِيقَ فِي شَدِّ الْحَبْلِ (وَغَرَقِ السَّفِينَةِ مِنْ مَدِّهَا) ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ السَّفِينَةَ لَوْ غَرِقَتْ مِنْ مَوْجٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ نَحْوِهِمَا لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْعَمَلِ مُطْلَقًا وَأَنَّهُ يَنْتَظِمُ السَّلِيمَ وَالْمَعِيبَ، وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمُصْلِحُ دُونَ الْمُفْسِدِ فَكَانَ هُوَ الْمَأْذُونَ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ عَمَلًا جَاوَزَ فِيهِ الْقَدْرَ الْمُعْتَادَ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْحَجَّامِ أَوْ عَمَلًا لَا يُعْتَادُ فِيهِ الْمِقْدَارُ الْمَعْلُومُ لَكِنَّ مَا فِي الْمِنَحِ نَقْلًا عَنْ الْعِمَادِيَّةِ مُخَالِفٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ هَلَكَ بِفِعْلِهِ بِأَنْ تَخَرَّقَ بِدَقِّهِ أَوْ عَصْرِهِ يَضْمَنُ عِنْدَنَا بِخِلَافِ الْبَزَّاغِ، وَالْحَجَّامِ، فَإِنَّ الْبَزَّاغَ وَنَحْوَهُ لَا يَضْمَنُ مَا هَلَكَ بِفِعْلِهِ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ الْمُعْتَادَ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ يَضْمَنُ مَا هَلَكَ بِفِعْلِهِ جَاوَزَ الْمُعْتَادَ أَوْ لَا تَدَبَّرْ (لَكِنْ لَا يَضْمَنُ بِهِ) أَيْ بِغَرَقِ السَّفِينَةِ (الْآدَمِيَّ) مِنْ مَدِّهَا (مِمَّنْ غَرِقَ فِي السَّفِينَةِ أَوْ سَقَطَ مِنْ الدَّابَّةِ) ، وَإِنْ كَانَ بِسَوْقِهِ أَوْ قَوْدِهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْآدَمِيِّ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ بَلْ بِالْجِنَايَةِ، وَمَا يَجِبُ بِهَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْعَاقِلَةُ لَا يَتَحَمَّلُ ضَمَانَ الْقَوْدِ، وَهَذَا لَيْسَ بِجِنَايَةٍ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا فِيهِ قِيلَ: هَذَا الْكَلَامُ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ وَيَرْكَبُ وَحْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمَتَاعِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ (وَلَا يَضْمَنُ فَصَّادٌ وَلَا بَزَّاغٌ لَمْ يَتَجَاوَزْ الْمُعْتَادَ) ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ إذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute