لَيْسَ بِالْوُسْعِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِحُصُولِ الْمَوْتِ إلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ الْمَوْضِعَ الْمُعْتَادَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَضْمَنُ الزَّائِدَ هَذَا كُلَّهُ إذَا لَمْ يَهْلَكْ، وَإِنْ هَلَكَ يَضْمَنُ نِصْفَ الدِّيَةِ حَتَّى أَنَّ الْخَتَّانَ لَوْ قَطَعَ الْحَشَفَةَ وَبَرِئَ الْمَقْطُوعُ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ هُوَ الْحَشَفَةُ وَهُوَ عُضْوٌ كَامِلٌ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَإِنْ مَاتَ وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَ بِمَأْذُونٍ فِيهِ وَغَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَهُوَ مِنْ أَغْرَبِ الْمَسَائِلِ حَيْثُ يَجِبُ الْأَكْثَرُ بِالْبُرْءِ، وَالْأَقَلُّ بِالْهَلَاكِ وَتَفْصِيلُهُ فِي الْمِنَحِ فَلْيُطَالَعْ.
سُئِلَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ عَنْ فَصَّادٍ جَاءَ إلَيْهِ غُلَامٌ وَقَالَ: افْصِدْ لِي فَفَصَدَهُ فَصْدًا مُعْتَادًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ السَّبَبِ قَالَ: يَضْمَنُ الْفَصَّادُ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَيَكُونُ عَلَى عَاقِلَةِ الْفَصَّادِ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ تَجِبُ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْفَصَّادِ، وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ فَصَدَ نَائِمًا وَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ فِي سَيَلَانِ الدَّمِ قَالَ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَمَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
(وَلَوْ انْكَسَرَ دَنٌّ مِنْ طَرِيقِ الْفُرَاتِ) ذَكَرَ الْفُرَاتَ لِلشُّهْرَةِ بِالْوَفْرَةِ، وَالزِّيَادَةُ بِلَا فَائِدَةٍ (فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ) أَيْ الْحَمَّالَ (قِيمَتَهُ) أَيْ قِيمَةَ الدَّنِّ الَّتِي تَقُومُ (فِي مَكَانِ حَمْلِهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ أَوْ) ضَمِنَ قِيمَتَهُ (فِي مَكَانِ كَسْرِهِ وَلَهُ) أَيْ الْحَمَّالِ (الْأَجْرُ بِحِسَابِهِ) أَمَّا الضَّمَانُ فَلِأَنَّ السُّقُوطَ بِالْعِثَارِ أَوْ بِانْقِطَاعِ الْحَبْلِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ صُنْعِهِ، وَأَمَّا الْخِيَارُ فَلِأَنَّهُ إذَا انْكَسَرَ فِي الطَّرِيقِ، وَالْحَمْلُ شَيْءٌ وَاحِدٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ تَعَدِّيًا مِنْ الِابْتِدَاءِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَمْلِ حَصَلَ بِإِذْنِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَعَدِّيًا، وَإِنَّمَا صَارَ تَعَدِّيًا عِنْدَ الْكَسْرِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْوَجْهَيْنِ شَاءَ.
وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَهُ الْأَجْرُ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى.
وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى أَصْلًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَ) ثَانِي النَّوْعَيْنِ (الْأَجِيرُ الْخَاصُّ) وَهُوَ (مَنْ يَعْمَلُ لِوَاحِدٍ) قَيَّدَ صَاحِبُ الدُّرَرِ بِقَوْلِهِ: عَمَلًا مُؤَقَّتًا بِالتَّخْصِيصِ، وَقَالَ: فَوَائِدُ الْقُيُودِ عُرِفَتْ مِمَّا سَبَقَ (وَيُسَمَّى أَجِيرَ وَحْدٍ) أَيْضًا (وَيَسْتَحِقُّ) الْأَجِيرُ الْخَاصُّ (الْأَجْرَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ) أَيْ الْأَجْرَ (مُدَّتَهُ) أَيْ الْعَقْدِ سَوَاءٌ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ مَعَ التَّمَكُّنِ بِالْإِجْمَاعِ (كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْخِدْمَةِ) الْغَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ (سَنَةً أَوْ لِرَعْيِ الْغَنَمِ) لِهَذَا الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى مَنَافِعِهِ وَذَكَرَ الْعَمَلَ لِصَرْفِ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ وَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ حَيْثُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ مِنْ آخَرَ.
وَفِي شَرْحِ الْوَافِي وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ اسْتَأْجَرَهُ لِرَعْيِ غَنَمِهِ بِدِرْهَمٍ شَهْرًا فَهُوَ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ لَا أَنْ يَقُولَ: وَلَا تَرْعَى غَنَمَ غَيْرِي فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ أَجِيرَ وَحْدٍ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِرَعْيِ غَنَمِهِ شَهْرًا بِدِرْهَمٍ فَهُوَ أَجِيرُ وَحْدٍ إلَّا أَنْ يَقُولَ: وَتَرْعَى غَنَمَ غَيْرِي.
وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ يَوْمًا لِيَعْمَلَ فِي الصَّحْرَاءِ فَمَطَرَتْ السَّمَاءُ بَعْدَمَا خَرَجَ الْأَجِيرُ إلَى الصَّحْرَاءِ لَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ لَمْ يُوجَدْ لِمَكَانِ الْعُذْرِ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْمَرْغِينَانِيُّ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ، وَفِي الْمِنَحِ.
وَإِنْ هَلَكَ فِي الْمُدَّةِ نِصْفُ الْغَنَمِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute