حَتَّى إذَا كَانَا عَامَّيْنِ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِمَا الشُّفْعَةَ فَالنَّهْرُ الْعَامُّ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ مَا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ كَدِجْلَةَ وَفُرَاتَ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ الْخَاصُّ مَا يَتَفَرَّقُ مَاؤُهُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ وَلَا يَبْقَى إذَا انْتَهَى إلَى آخِرِ الْأَرَاضِيِ وَلَا يَكُونُ لَهُ مَنْفَذٌ وَالْعَامُّ مَا يَتَفَرَّقُ وَيَبْقَى وَلَهُ مَنْفَذٌ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ مَا كَانَ شُرَكَاؤُهُ لَا يُحْصُونَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَا يُحْصَى مِنْ خَمْسِمِائَةٍ أَوْ مِائَةٍ أَوْ أَرْبَعِينَ أَوْ عَشَرَةٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْخَاصُّ أَنْ يَكُونَ نَهْرًا يُسْقَى مِنْهُ قَرَاحَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ عَامٌّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ فِي زَمَانِهِ وَهُوَ أَشْبَهُ الْأَقَاوِيلِ.
(ثُمَّ) تَثْبُتُ بَعْدَ الطَّرِيقِ (لِلْجَارِ الْمُلَاصِقِ) أَيْ لِجَارٍ لَهُ عَقَارٌ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا يَكُونُ وَقْفًا أَوْ إجَارَةً أَوْ وَدِيعَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ فِيهَا لِمَا فِي التَّجْرِيدِ لَا شُفْعَةَ فِي الْوَقْفِ وَلَا بِجِوَارِهِ
(وَلَوْ بَابَهُ فِي سِكَّةٍ أُخْرَى) وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَلَوْ وَصْلِيَّةٌ لَكِنْ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لَوْ كَانَ بَابُهُ فِي سِكَّةٍ أُخْرَى بِدُونِ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَابُهُ فِي تِلْكَ السِّكَّةِ كَانَ خَلِيطًا فِي حَقِّ الْمَبِيعِ فَلَا يَكُونُ جَارًا مُلَاصِقًا فَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ فِي تَفْسِيرِ الْجَارِ الْمُلَاصِقِ هُوَ الَّذِي دَارُهُ عَلَى ظَهْرِ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ وَبَابُهُ فِي سِكَّةٍ أُخْرَى.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا شُفْعَةَ بِالْجِوَارِ بَلْ بِالشِّرْكَةِ فِي الْبُقْعَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَا يُقَسَّمُ» وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَارُ الدَّارِ حَقٌّ مِنْ غَيْرِهِ» فَلَا تَثْبُتُ لِلْجَارِ الْمُقَابِلِ إذَا كَانَتْ السِّكَّةُ نَافِذَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ غَيْرَ نَافِذَةٍ فَتَثْبُتُ.
(وَمَنْ) مُبْتَدَأٌ (لَهُ جُذُوعٌ عَلَى حَائِطِهَا) أَيْ حَائِطِ الدَّارِ (أَوْ) مَنْ لَهُ (شِرْكَةٌ فِي خَشَبَةٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَائِطِ (جَارٌ) خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ؛ لِأَنَّ الْجَارَ بِهَذَا الْمِقْدَارِ لَا يَكُونُ خَلِيطًا فِي حَقِّ الْمَبِيعِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ جَارًا مُلَاصِقًا.
(وَإِنْ) كَانَ شَرِيكًا (فِي نَفْسِ الْجِدَارِ فَشَرِيكٌ) يُقَدَّمُ عَلَى الْخَلِيطِ لَكِنْ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ بَعْضُ الْجِيرَانِ شَرِيكًا فِي الْجِدَارِ لَا يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْجِيرَانِ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ فِي الْبِنَاءِ الْمُجَرَّدِ بِدُونِ الْأَرْضِ لَا يَسْتَحِقُّ بِهَا الشُّفْعَةَ وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ وَالْمَكَانُ الَّذِي عَلَيْهِ الْبِنَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كَانَ هُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْجِيرَانِ انْتَهَى فَيَلْزَمُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الْمَتْنِ بِأَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِالْبِنَاءِ الْمَكَانُ الَّذِي عَلَيْهِ الْبِنَاءُ لَا الْبِنَاءُ الْمُجَرَّدُ تَدَبَّرْ.
(وَهِيَ) أَيْ الشُّفْعَةُ (عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ) أَيْ رُءُوسِ الشُّفَعَاءِ (لَا السِّهَامِ) أَيْ سِهَامِ مِلْكِهِمْ لِأَنَّ عِلَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ اتِّصَالُ الْمِلْكِ لَا قَدْرُهُ وَالتَّرْجِيحُ لِقُوَّةِ الْعِلَّةِ لَا لِلْكَثْرَةِ وَلِذَا قُسِّمَ عَلَى التَّنْصِيفِ دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ نِصْفٍ وَثُلُثٍ وَسُدُسٍ إذَا بَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ
وَكَذَا دَارٌ لَهُ جَارَانِ أَحَدُهُمَا مِنْ ثَلَاثَةِ جَوَانِبَ وَثَانِيهِمَا مِنْ جَانِبٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ إذْ عِنْدَهُ يُقْضَى بِقَدْرِ الْأَمْلَاكِ لَا بِقَدْرِ الرُّءُوسِ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مِنْ مَرَافِقِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ لَوْ أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَيْسَ لِمَنْ بَقِيَ أَخْذُ نَصِيبِ التَّارِكِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ