الْحُرْمَةِ لَا لِرَفْعِهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا (لَكِنْ قِيلَ لَا يُحَدُّ) مَنْ شَرِبَ ذَلِكَ الْمَطْبُوخَ (مَا لَمْ يَسْكَرْ) لِأَنَّ الْحَدَّ فِي الْقَلِيلِ وَرَدَ فِي النِّيّ وَالطَّبْخُ يُورِثُ الشُّبْهَةَ وَالْحَدُّ يَنْدَرِئُ بِهَا وَعِنْدَ السُّكْرِ يُلْحَقُ بِالْخَمْرِ.
(وَيَحِلَّ نَبِيذُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ) وَهُوَ أَنْ يُطْبَخَ إلَى أَنْ يَنْضَجَ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (اشْتَدَّ) بِمُكْثِهِ (مَا لَمْ يَسْكَرْ) بِلَا نِيَّةِ لَهْوٍ وَطَرَبٍ بَلْ بِنِيَّةِ تَقَوٍّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَنْتَبِذُوا الرُّطَبَ وَالزَّبِيبَ مَعًا وَلَكِنْ انْتَبَذُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ» وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْمُتَّخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فُرَادَى مُبَاحٌ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْمَطْبُوخِ مِنْهُ إذْ الْأَحْمَزَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ جَمَعَ فِي الطَّبْخِ بَيْنَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ أَوْ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ لِأَنَّ التَّمْرَ إنْ كَانَ يُكْتَفَى فِيهِ بِأَدْنَى طَبْخَةٍ فَعَصِيرُ الْعِنَبِ لَا بُدَّ أَنْ يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ فَيُعْتَبَرُ جَانِبُ الْعِنَبِ احْتِيَاطًا وَكَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَنَقِيعِ التَّمْرِ لِمَا قُلْنَا انْتَهَى هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَنَبِيذُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَدْنَى طَبْخَةٍ حَلَالٌ تَتَبَّعْ.
(وَكَذَا) يَحِلُّ (نَبِيذُ الْعَسَلِ وَالتِّينِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ) .
وَفِي الْهِدَايَةِ وَنَبِيذُ الْعَسَلِ وَالتِّينِ وَنَبِيذُ الْحِنْطَةِ وَالذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ حَلَالٌ وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ وَهَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ وَطَرَبٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ» وَأَشَارَ إلَى الْكَرْمَةِ وَالنَّخْلَةِ خَصَّ التَّحْرِيمَ بِهِمَا وَالْمُرَادُ بَيَانُ الْحُكْمِ انْتَهَى لَكِنْ يُنَافِي قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ» إلَّا أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى سُكْرٍ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ يُتَّخَذُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ غَيْرِ الْخَمْرِ كَمَا فِي التَّسْهِيلِ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ قَلِيلُهُ حَرَامٌ» .
وَقَالَ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا لَيْسَ بِثَابِتٍ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا ثُبُوتَهُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَدَحِ الْأَخِيرِ تَتَبَّعْ، فَإِنَّ أَقْوَالَ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْمَحِلِّ مُضْطَرِبَةٌ (وَالْخَلِيطَيْنِ) مِنْ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ (طُبِخَتْ أَوْ لَا) هَذَا قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَكَذَا نَبِيذُ الْعَسَلِ إلَى هُنَا لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ وَلَا بَأْسَ بِالْخَلِيطَيْنِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ قَالَ سَقَانِي ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - شَرْبَةً مَا كِدْتُ أَهْتَدِي إلَى أَهْلِي فَغَدَوْتُ إلَيْهِ مِنْ الْغَدِ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ مَا زِدْنَاكَ عَلَى عَجْوَةٍ وَزَبِيبٍ وَهَذَا مِنْ الْخَلِيطَيْنِ وَكَانَ مَطْبُوخًا لِأَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ عُمَرَ نَقِيعُ الزَّبِيبِ كَانَ حَرَامًا وَهُوَ الْأَحْمَزَ مِنْهُ وَإِلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّنَاقُصِ وَمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْخَلِيطِ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْقَحْطِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ وَالْإِبَاحَةُ فِي حَالَةِ السَّعَةِ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا ظَهَرَ الْمُنَافَاةُ بَيْنَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ طُبِخَتْ أَوْ لَا وَبَيْنَ قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ وَكَانَ مَطْبُوخًا لَكِنْ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بَعْدَ الِاشْتِدَادِ وَقَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ مَا طُبِخَتْ أَوْ لَا قَبْلَ الِاشْتِدَادِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «نَنْتَبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute