لَا حَاجَةَ إلَى حُضُورِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ أَقَرَّ بَعْدَمَا شَهِدَ عِنْدَ الْقَطْعِ.
(وَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى، أَوْ إبْهَامُهَا) أَيْ: إبْهَامُ يَدِهِ الْيُسْرَى (مَقْطُوعَةً، أَوْ شَلَّاءَ، أَوْ أُصْبُعَانِ سِوَى الْإِبْهَامِ كَذَلِكَ) أَيْ: مَقْطُوعَيْنِ، أَوْ شَلَّاءَ (لَا يُقْطَعُ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ السَّارِقِ (شَيْءٌ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بَطْشًا وَقِوَامُ الْبَطْشِ بِالْإِبْهَامِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْطُوعُ أُصْبُعًا غَيْرَ الْإِبْهَامِ، أَوْ أَشَلَّ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ، أَوْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ يُقْطَعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالنَّصِّ قَطْعُ الْيُمْنَى وَاسْتِيفَاءُ النَّاقِصِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْكَامِلِ جَائِزٌ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ (بَلْ يُحْبَسُ) إلَى أَنْ يَتُوبَ (وَكَذَا) لَا تُقْطَعُ يَدُهُ (لَوْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً، أَوْ شَلَّاءَ) .
وَفِي الْبَحْرِ لَوْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةَ الْأَصَابِعِ، فَإِنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ، وَالْمَشْيَ عَلَيْهَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَإِلَّا فَلَا (وَلَا يَضْمَنُ الْمَأْمُورُ بِقَطْعِ الْيُمْنَى لَوْ قَطَعَ الْيُسْرَى) عِنْدَ الْإِمَامِ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ وَأَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فَلَا يُعَدُّ إتْلَافًا (وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ إنْ تَعَمَّدَ) ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ طَرَفًا مَعْصُومًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا تَأْوِيلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَمَّدُ الظُّلْمَ فَلَا يُعْفَى، وَإِنْ كَانَ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ لِلشُّبْهَةِ.
وَقَالَ زُفَرُ يَضْمَنُ فِي الْخَطَأِ أَيْضًا، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَالْمُرَادُ هُوَ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ، وَأَمَّا فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ، وَالْيَسَارِ لَا يُجْعَلُ عَفْوًا وَقِيلَ يُجْعَلُ حَتَّى إذَا قَالَ أَخْرِجْ يَمِينَك فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ وَقَالَ هَذِهِ يَمِينِي فَقَطَعَ لَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهَا يَسَارُهُ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَهُ بِأَمْرِهِ. هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ بِالْأَمْرِ وَإِذَا قَطَعَهُ أَحَدٌ قَبْلَ الْأَمْرِ وَالْقَضَاءِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ اتِّفَاقًا وَسَقَطَ الْقَطْعُ عَنْ السَّارِقِ، وَقَضَاءُ الْقَاضِي بِالْقَطْعِ كَالْأَمْرِ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَا ضَمَانَ، وَلَوْ أَطْلَقَ الْحَاكِمُ وَقَالَ اقْطَعْ يَدَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْيُمْنَى فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْقَاطِعِ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ إذْ الْيَدُ تُطْلَقُ عَلَيْهِمَا.
وَفِي الْبَحْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ هَذَا الْقَطْعَ وَقَعَ حَدًّا أَوْ لَا فَعَلَى طَرِيقَةِ أَنَّهُ وَقَعَ حَدًّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى السَّارِقِ لَوْ كَانَ اسْتَهْلَكَ الْعَيْنَ وَعَلَى طَرِيقَةِ عَدَمِ وُقُوعِهِ حَدًّا فَهُوَ ضَامِنٌ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ.
(وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا وَرَدَّهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ إلَى مَالِكِهِ لَا يُقْطَعُ) ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِ السَّرِقَةِ كَمَا مَرَّ فَلَوْ رَدَّهُ بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ إلَى الْقَاضِي قُطِعَ لِانْتِهَاءِ الْخُصُومَةِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا إذَا رَدَّهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ، وَأَمَّا إذَا رَدَّهُ بَعْدَمَا شَهِدَ الشُّهُودُ وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي اسْتِحْسَانًا وَأَطْلَقَ فِي الرَّدِّ فَشَمِلَ الرَّدَّ حَقِيقَةً، وَالرَّدَّ حُكْمًا كَمَا إذَا رَدَّهُ إلَى أَصْلِهِ، وَإِنْ عَلَا كَوَالِدِهِ وَجَدِّهِ وَوَالِدَتِهِ سَوَاءٌ كَانُوا فِي عِيَالِ الْمَالِكِ، أَوْ لَا؛ لِأَنَّ لِهَؤُلَاءِ شُبْهَةَ الْمِلْكِ فَيَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةُ الرَّدِّ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ إلَى عِيَالِ أُصُولِهِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ، وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَمِنْ الرَّدِّ الْحُكْمِيِّ الرَّدُّ إلَى فَرْعِهِ وَكُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي عِيَالِهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِرَدٍّ وَمِنْهُ الرَّدُّ إلَى مُكَاتَبِهِ وَعَبْدِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute