كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: أَحْبَارُهُمْ: قُرَّاؤُهُمْ، وَرُهْبَانُهُمْ: عُلَمَاؤُهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ:
الْأَحْبَارُ مِنَ الْيَهُودِ، وَالرُّهْبَانُ مِنَ النَّصَارَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ مِثْلَهُ. وأخرج أيضا عن الفضيل ابن عِيَاضٍ قَالَ: الْأَحْبَارُ: الْعُلَمَاءُ، وَالرُّهْبَانُ: الْعُبَّادُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ قَالَ: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا الْإِسْلَامَ بِأَقْوَالِهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قوله: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ يَقُولُ: يُرِيدُونَ أَنْ يَهْلِكَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ السُّدِّيِّ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى يَعْنِي: بِالتَّوْحِيدِ والإسلام والقرآن.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٣٤ الى ٣٥]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥)
لَمَّا فَرَغَ سُبْحَانَهُ مِنْ ذِكْرِ حَالِ أَتْبَاعِ الْأَحْبَارِ والرهبان والمتّخذين لَهُمْ أَرْبَابًا ذَكَرَ حَالَ الْمَتْبُوعِينَ فَقَالَ:
إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ إِلَى آخِرِهِ، وَمَعْنَى أَكْلِهِمْ لِأَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ: أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَهَا بِالْوُجُوهِ الْبَاطِلَةِ كَالرِّشْوَةِ، وَأَثْبَتَ هَذَا لِلْكَثِيرِ مِنْهُمْ، لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يَتَلَبَّسْ بِذَلِكَ، بَلْ بَقِيَ عَلَى مَا يُوجِبُهُ دِينُهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ، وَلَا تَبْدِيلٍ، وَلَا مَيْلٍ إِلَى حُطَامِ الدُّنْيَا، وَلَقَدِ اقْتَدَى بِهَؤُلَاءِ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ مَنْ لَا يَأْتِي عَلَيْهِ الْحَصْرُ فِي كُلِّ زمان، فالله المستعان. قوله: وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَيْ: عَنِ الطَّرِيقِ إِلَيْهِ، وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ، أَوْ عَنْ مَا كَانَ حَقًّا فِي شَرِيعَتِهِمْ قَبْلَ نَسْخِهَا، بِسَبَبِ أَكْلِهِمْ لِأَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ. قَوْلُهُ:
وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ قِيلَ: هُمُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُمْ مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ، وَإِنَّهُمْ كَانُوا يَصْنَعُونَ هَذَا الصُّنْعَ وَقِيلَ: هُمْ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْأَوْلَى: حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى عُمُومِ اللَّفْظِ، فَهُوَ أَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَصْلُ الْكَنْزِ فِي اللُّغَةِ: الضَّمُّ وَالْجَمْعُ، وَلَا يَخْتَصُّ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: الْكَنْزُ كُلُّ شَيْءٍ مَجْمُوعٍ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ فِي بَطْنِ الْأَرْضِ كَانَ أَوْ عَلَى ظَهْرِهَا انْتَهَى. وَمِنْهُ نَاقَةٌ كِنَازٌ: أَيْ مُكْتَنِزَةُ اللَّحْمِ، وَاكْتَنَزَ الشَّيْءُ: اجْتَمَعَ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمَالِ الَّذِي أُدِّيَتْ زَكَاتُهُ هَلْ يُسَمَّى كَنْزًا أَمْ لَا؟ فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ كَنْزٌ، وَقَالَ آخَرُونَ:
لَيْسَ بِكَنْزٍ. وَمِنَ الْقَائِلِينَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَبُو ذَرٍّ. وَقَيَّدَهُ بِمَا فَضَلَ عَنِ الْحَاجَةِ. وَمِنَ الْقَائِلِينَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي عُمَرُ ابن الْخَطَّابِ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ الْحَقُّ لِمَا سَيَأْتِي مِنَ الْأَدِلَّةِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّ مَا أُدِّيَتْ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ. قَوْلُهُ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ اخْتَلَفَ فِي وَجْهِ إفراد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute