[سورة لقمان]
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ إلى الْآيَاتِ الثَّلَاثِ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ النَّحَّاسُ عَنْهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنْهُ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَلَمْ يَسْتَثْنِ، وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ إِلَّا آيَتَيْنِ. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم الظهر نسمع منه الْآيَةِ مِنْ سُورَةِ لُقْمَانَ وَالذَّارِيَاتِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ١ الى ١١]
الم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (٢) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (٣) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤)
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٦) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (٨) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩)
خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (١٠) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١١)
قَوْلُهُ: الم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى أَمْثَالِ فَاتِحَةِ هَذِهِ السُّورَةِ، وَمَحَلِّهَا مِنَ الْإِعْرَابِ مُسْتَوْفًى فَلَا نُعِيدُهُ، وَبَيَانُ مرجع الإشارة أيضا، والْحَكِيمِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى مُفْعِلٍ، أَوْ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، أَوْ بِمَعْنَى ذِي الْحِكْمَةِ أَوِ الْحَكِيمِ قائله، وهُدىً وَرَحْمَةً مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِ عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ فِي حَالِ الْهِدَايَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ «وَرَحْمَةٌ» بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُمَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: هُوَ هُدًى وَرَحْمَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَا خَبَرَ تِلْكَ، وَالْمُحْسِنُ: الْعَامِلُ لِلْحَسَنَاتِ، أَوْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ كَأَنَّهُ يَرَاهُ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحِ لَمَّا سَأَلَهُ جِبْرِيلُ عَنِ الْإِحْسَانِ: فَقَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» ثُمَّ بَيَّنَ عَمَلَ الْمُحْسِنِينَ فَقَالَ: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ وَالْمَوْصُولُ: فِي مَحَلِّ جَرٍّ عَلَى الْوَصْفِ لِلْمُحْسِنِينَ، أَوْ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ، أَوْ نَصْبٍ عَلَى الْمَدْحِ، أَوِ الْقَطْعِ، وَخَصَّ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ الثَّلَاثَ لِأَنَّهَا عُمْدَةُ الْعِبَادَاتِ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ قد تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذَا فِي أَوَائِلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَالْمَعْنَى هُنَا: أَنَّ أُولَئِكَ الْمُتَّصِفِينَ بِالْإِحْسَانِ، وَفِعْلِ تِلْكَ الطَّاعَاتِ الَّتِي هِيَ أُمَّهَاتُ الْعِبَادَاتِ هُمْ عَلَى طَرِيقَةِ الْهُدَى، وَهُمُ الْفَائِزُونَ بِمَطَالِبِهِمُ الظَّافِرُونَ بخيري
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute