ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلَيْنِ اقْتَتَلَا، أَحَدُهُمَا مِنْ جُهَيْنَةَ وَالْآخَرُ مِنْ غِفَارٍ، وَكَانَتْ جُهَيْنَةُ حُلَفَاءَ الْأَنْصَارِ، فَظَهَرَ الْغِفَارِيُّ عَلَى الْجُهَنِيِّ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ لِلْأَوْسِ:
انْصُرُوا أَخَاكُمْ، وَاللَّهِ مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُ مُحَمَّدٍ إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: «سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ» وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ «١» فَسَعَى بِهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ، فَجَعَلَ يَحْلِفُ بِاللَّهِ مَا قَالَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ الْآيَةَ، وفي الباب أحاديث مختلفة في سبب نزول هَذِهِ الْآيَةِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا قَالَ: هَمَّ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الأسود بقتل النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا قَالَ: أَرَادُوا أَنْ يُتَوِّجُوا عَبْدَ اللَّهِ ابن أُبَيٍّ بِتَاجٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنِ ابْنِ عباس قال: قُتِلَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ:
وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ قال: بأخذهم الدّية.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٧٥ الى ٧٩]
وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٧٨) الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٩)
اللَّامُ الْأُولَى وَهِيَ لَئِنْ آتانا الله مِنْ فَضْلِهِ لَامُ الْقَسَمِ، وَاللَّامُ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ لَنَصَّدَّقَنَّ لَامُ الْجَوَابِ لِلْقِسْمِ وَالشَّرْطِ. وَمَعْنَى: لَنَصَّدَّقَنَّ لَنُخْرِجُ الصَّدَقَةَ، وَهِيَ أَعَمُّ مِنَ الْمَفْرُوضَةِ وَغَيْرِهَا وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ أَيْ: مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الصَّلَاحِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، الْقَائِمِينَ بِوَاجِبَاتِ الدِّينِ، التَّارِكِينَ لِمُحَرَّمَاتِهِ فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ أَيْ: لَمَّا أَعْطَاهُمْ مَا طَلَبُوا مِنَ الرِّزْقِ بَخِلُوا بِهِ، أَيْ: بِمَا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ، فَلَمْ يَتَصَدَّقُوا بِشَيْءٍ مِنْهُ كَمَا حَلَفُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا أَيْ: أَعْرَضُوا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَإِخْرَاجِ صَدَقَاتِ مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ من فضله، وَالحال أن هُمْ مُعْرِضُونَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُمُ اللَّهُ مَا أَعْطَاهُمْ مِنَ الرِّزْقِ وَبَعْدَهُ. قَوْلُهُ: فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ الْفَاعِلُ:
هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، أَيْ: فَأَعْقَبَهُمُ اللَّهُ بِسَبَبِ الْبُخْلِ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُمْ وَالْإِعْرَاضِ نِفَاقًا كَائِنًا فِي قُلُوبِهِمْ، مُتَمَكِّنًا مِنْهَا، مُسْتَمِرًّا فِيهَا إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَقِيلَ: إِنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إِلَى الْبُخْلِ، أَيْ: فَأَعْقَبَهُمُ الْبُخْلُ بِمَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ نِفَاقًا كَائِنًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَ بُخْلَهُمْ، أَيْ: جَزَاءَ بُخْلِهِمْ. وَمَعْنَى فَأَعْقَبَهُمْ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ النِّفَاقَ الْمُتَمَكِّنَ فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى تِلْكَ الْغَايَةِ عَاقِبَةَ مَا وَقَعَ مِنْهُمْ مِنَ الْبُخْلِ، وَالْبَاءُ فِي بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ لِلسَّبَبِيَّةِ، أَيْ: بِسَبَبِ إِخْلَافِهِمْ لِمَا وَعَدُوهُ مِنَ التصدّق والصلاح، وكذلك الباء
(١) . المنافقون: ٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute