وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: النَّاسُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: النَّبِيُّ خَاصَّةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هُمُ هذا الحيّ من العرب.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٥٦ الى ٥٧]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (٥٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (٥٧)
قَوْلُهُ: بِآياتِنا الظَّاهِرُ عَدَمُ تَخْصِيصِ بَعْضِ الْآيَاتِ دُونَ بَعْضٍ، وسَوْفَ كلمة تذكر للتهديد قال سِيبَوَيْهِ: وَيَنُوبُ عَنْهَا السِّينُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى: نُصْلِي، فِي أَوَّلِ السُّورَةِ. وَالْمُرَادُ: سَوْفَ نُدْخِلُهُمْ نَارًا عَظِيمَةً. وَقَرَأَ حُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ: نُصْلِيهِمْ بِفَتْحِ النُّونِ. قَوْلُهُ: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ يُقَالُ: نَضِجَ الشَّيْءُ نُضْجًا وَنِضَاجًا، وَنَضِجَ اللَّحْمُ، وَفُلَانٌ نَضِجُ الرَّأْيِ: أَيْ: مُحْكَمُهُ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهَا كُلَّمَا احْتَرَقَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلَهُمُ اللَّهُ جُلُودًا غَيْرَهَا، أَيْ: أَعْطَاهُمْ مَكَانَ كُلِّ جِلْدٍ مُحْتَرِقٍ جِلْدًا آخَرَ غَيْرَ مُحْتَرِقٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْعَذَابِ لِلشَّخْصِ، لِأَنَّ إِحْسَاسَهُ لِعَمَلِ النَّارِ فِي الْجِلْدِ الَّذِي لَمْ يَحْتَرِقْ أَبْلَغُ مِنْ إِحْسَاسِهِ لِعَمَلِهَا فِي الْجِلْدِ الْمُحْتَرِقِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْجُلُودِ: السَّرَابِيلُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي قَوْلِهِ: سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ «١» وَلَا مُوجِبَ لِتَرْكِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ هَاهُنَا، وَإِنْ جَازَ إِطْلَاقُ الْجُلُودِ عَلَى السَّرَابِيلِ مَجَازًا كَمَا في قول الشاعر:
كسا اللّوم تَيْمًا خُضْرَةً فِي جُلُودِهَا ... فَوَيْلٌ لِتَيْمٍ مِنْ سَرَابِيلِهَا الْخُضْرِ
وَقِيلَ الْمَعْنَى: أَعَدْنَا الْجِلْدَ الْأَوَّلَ جَدِيدًا، وَيَأْبَى ذَلِكَ مَعْنَى التَّبْدِيلِ. قَوْلُهُ: لِيَذُوقُوا الْعَذابَ أَيْ:
لِيَحْصُلَ لَهُمُ الذَّوْقُ الْكَامِلُ بِذَلِكَ التَّبْدِيلِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: لِيَدُومَ لَهُمُ الْعَذَابُ وَلَا يَنْقَطِعَ، ثُمَّ أَتْبَعَ وَصْفَ حَالِ الْكُفَّارِ بِوَصْفِ حَالِ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْجَنَّاتِ الَّتِي تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ. قَوْلُهُ: لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ أَيْ: مِنَ الْأَدْنَاسِ الَّتِي تَكُونُ فِي نِسَاءِ الدُّنْيَا. وَالظِّلُّ الظَّلِيلُ: الْكَثِيفُ الَّذِي لَا يَدْخُلُهُ مَا يَدْخُلُ ظِلَّ الدُّنْيَا مِنَ الْحَرِّ وَالسَّمُومِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقِيلَ: هُوَ مَجْمُوعُ ظِلِّ الْأَشْجَارِ وَالْقُصُورِ وَقِيلَ: الظِّلُّ الظَّلِيلُ:
هُوَ الدَّائِمُ الَّذِي لَا يَزُولُ، وَاشْتِقَاقُ الصِّفَةِ مِنْ لَفْظِ الْمَوْصُوفِ: لِلْمُبَالَغَةِ، كَمَا يُقَالُ: لَيْلٌ أَلِيلٌ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ قَالَ: إِذَا احْتَرَقَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا بَيْضَاءَ أَمْثَالَ الْقَرَاطِيسِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ قَالَ: قُرِئَ عِنْدَ عُمَرَ كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ الْآيَةَ، فَقَالَ مُعَاذٌ: عِنْدِي تَفْسِيرُهَا: تُبَدَّلُ فِي سَاعَةٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، فَقَالَ عُمَرُ: هَكَذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ: أَنَّ الْقَائِلَ كَعْبٌ، وَأَنَّهُ قَالَ: تُبَدَّلُ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ عِشْرِينَ وَمِائَةَ مَرَّةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ:
أَنَّ غِلَظَ جِلْدِ الْكَافِرِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ: ظِلًّا ظَلِيلًا قَالَ: هُوَ ظِلُّ العرش الذي لا يزول.
(١) . إبراهيم: ٥٠.