للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ قَالَ: نَزَلَتْ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلِي وَمَثَلُ النَّبِيِّينَ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا، فَانْتَهَى، إِلَّا لَبِنَةً وَاحِدَةً، فَجِئْتُ أَنَا فَأَتْمَمْتُ تِلْكَ اللَّبِنَةَ» وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ رَجُلٍ ابْتَنَى دَارًا فَأَكْمَلَهَا وَأَحْسَنَهَا إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ، فَكَانَ مَنْ دَخَلَهَا فَنَظَرَ إِلَيْهَا قَالَ مَا أَحْسَنَهَا إِلَّا مَوْضِعَ اللَّبِنَةِ، فَأَنَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ حَتَّى خَتَمَ بِيَ الْأَنْبِيَاءَ» . وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ نحوه أيضا.

[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٤١ الى ٤٨]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٤٢) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (٤٣) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (٤٤) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥)

وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (٤٦) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً (٤٧) وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (٤٨)

قَوْلُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً أَمَرَ سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ بِأَنْ يَسْتَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِهِ بِالتَّهْلِيلِ، وَالتَّحْمِيدِ، وَالتَّسْبِيحِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَكُلِّ مَا هو ذكر الله تَعَالَى. قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ أَنْ لَا يَنْسَاهُ أَبَدًا، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: وَيُقَالُ ذِكْرًا كَثِيرًا: بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ التَّسْبِيحُ، وَالتَّحْمِيدُ، وَالتَّهْلِيلُ، وَالتَّكْبِيرُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا أَيْ: نَزِّهُوهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ فِي وقت البكرة، ووقت الأصيل، وهما أَوَّلُ النَّهَارِ وَآخِرُهُ، وَتَخْصِيصُهُمَا بِالذِّكْرِ لِمَزِيدِ ثَوَابِ التَّسْبِيحِ فِيهِمَا، وَخُصَّ التَّسْبِيحُ بِالذِّكْرِ بَعْدَ دُخُولِهِ تَحْتَ عُمُومِ قَوْلِهِ: اذْكُرُوا اللَّهَ تَنْبِيهًا عَلَى مَزِيدِ شَرَفِهِ، وَإِنَافَةِ ثَوَابِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَذْكَارِ.

وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالتَّسْبِيحِ بِكُرَةً: صَلَاةُ الْفَجْرِ، وَبِالتَّسْبِيحِ أَصِيلًا: صَلَاةُ الْمَغْرِبِ. وَقَالَ قَتَادَةُ، وَابْنُ جَرِيرٍ:

الْمُرَادُ: صَلَاةُ الْغَدَاةِ وَصَلَاةُ الْعَصْرِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَمَّا بُكْرَةً: فَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَأَمَا أَصِيلًا: فَصَلَاةُ الظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ، وَالْعِشَاءِ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: وَالْأَصِيلُ: الْعَشِيُّ، وَجَمْعُهُ أَصَائِلُ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ وَالصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ رَحْمَتُهُ لَهُمْ، وَبَرَكَتُهُ عَلَيْهِمْ، وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ الدُّعَاءُ لَهُمْ، وَالِاسْتِغْفَارُ كَمَا قَالَ: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا «١» قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: الْمَعْنَى وَيَأْمُرُ مَلَائِكَتَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ لَكُمْ، وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ كَالتَّعْلِيلِ لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الْأَمْرِ بِالذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ. وَقِيلَ: الصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْعَبْدِ: هِيَ إِشَاعَةُ الذِّكْرِ الْجَمِيلِ لَهُ فِي عِبَادِهِ، وَقِيلَ: الثناء عليه، وعطف ملائكته على الضمير هنا معنى مجازي يعمّ صلاة الله بمعنى الرحمة، وصلاة الملائكة، بِمَعْنَى الدُّعَاءِ لِئَلَّا يَجْمَعَ بَيْنَ حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَاللَّامُ فِي لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ متعلق بيصلي، أي: يعتني بأموركم هو وملائكته لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْمَعَاصِي إِلَى نُورِ الطَّاعَاتِ، وَمِنْ ظُلْمَةِ الضَّلَالَةِ إِلَى نُورِ الْهُدَى، وَمَعْنَى الآية: تثبيت


(١) . غافر: ٧. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>