للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة المجادلة]

وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ، إِلَّا رِوَايَةً عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ الْعَشْرَ الْأُوَلِ مِنْهَا مَدَّنِيٌّ. وَبَاقِيهَا مَكِّيٌّ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ جَمِيعُهَا بِالْمَدِينَةِ غَيْرَ قَوْلِهِ: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ وَالنَّحَّاسُ، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ بِالْمَدِينَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة المجادلة (٥٨) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١) الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٢) وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤)

قَوْلُهُ: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَرَأَ أَبُو عمرو وحمزة وَالْكِسَائِيُّ بِإِدْغَامِ الدَّالِّ فِي السِّينِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْإِظْهَارِ.

قَالَ الْكِسَائِيُّ: مَنْ بَيَّنَ الدَّالَ عِنْدَ السِّينِ فَلِسَانُهُ أَعْجَمِيٌّ وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها أَيْ: تَرَاجِعُكَ الْكَلَامَ فِي شَأْنِهِ وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ مَعْطُوفٌ عَلَى «تَجَادِلُكَ» . وَالْمُجَادَلَةُ هَذِهِ الْكَائِنَةُ مِنْهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ كُلَّمَا قَالَ لَهَا: قَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا ذَكَرَ طَلَاقًا، ثُمَّ تَقُولُ: أَشْكُو إِلَى اللَّهِ فَاقَتِي وَوَحْدَتِي، وَإِنَّ لِي صِبْيَةً صِغَارًا إِنْ ضَمَمْتُهُمْ إِلَيْهِ ضَاعُوا، وَإِنْ ضَمَمْتُهُمْ إِلَيَّ جَاعُوا، وَجَعَلَتْ تَرْفَعُ رَأْسَهَا إلى السماء وتقول: اللهم إني أشكوا إِلَيْكَ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ:

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ وَزَوْجِهَا أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَكَانَ بِهِ لَمَمٌ «١» ، فَاشْتَدَّ بِهِ لَمَمُهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَظَاهَرَ مِنْهَا، ثُمَّ نَدِمَ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ الظِّهَارُ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَقِيلَ: هِيَ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ، وَقِيلَ: اسْمُهَا جَمِيلَةُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَقِيلَ: هِيَ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِنَّهَا نُسِبَتْ تَارَةً إِلَى أَبِيهَا، وَتَارَةً إِلَى جَدِّهَا وَأَحَدُهُمَا أَبُوهَا وَالْآخَرُ جَدُّهَا، فَهِيَ خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ، وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَوْ مُسْتَأْنَفَةٌ جَارِيَةٌ مَجْرَى التَّعْلِيلِ لِمَا قَبْلَهَا، أي: والله يعلم تراجعكما


(١) . «اللمم» : طرف من الجنون يلمّ بالإنسان، أي يعتريه.

<<  <  ج: ص:  >  >>