للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سورة الشرح]

وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ وَالنَّحَّاسُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ أَلَمْ نَشْرَحْ بِمَكَّةَ، وَزَادَ: بَعْدَ الضُّحَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: نَزَلَتْ سُورَةُ أَلَمْ نَشْرَحْ بِمَكَّةَ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الشرح (٩٤) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)

فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨)

مَعْنَى شَرْحِ الصَّدْرِ: فَتْحُهُ بِإِذْهَابِ مَا يَصُدُّ عَنِ الْإِدْرَاكِ، وَالِاسْتِفْهَامُ إِذَا دَخَلَ عَلَى النَّفْيِ قَرَّرَهُ، فَصَارَ الْمَعْنَى: قَدْ شَرَحْنَا لَكَ صَدْرَكَ، وَإِنَّمَا خَصَّ الصَّدْرَ لِأَنَّهُ مَحَلُّ أَحْوَالِ النَّفْسِ مِنَ الْعُلُومِ وَالْإِدْرَاكَاتِ، وَالْمُرَادُ الِامْتِنَانُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَتْحِ صَدْرِهِ وَتَوْسِيعِهِ حَتَّى قَامَ بِمَا قَالَ بِهِ مِنَ الدَّعْوَةِ، وَقَدَرَ عَلَى مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ حَمْلِ أَعْبَاءِ النُّبُوَّةِ وَحِفْظِ الْوَحْيِ، وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي هَذَا عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ «١» . وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ، لَا عَلَى لَفْظِهِ: أَيْ قَدْ شَرَحْنَا لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا إِلَخْ، وَمِنْهُ قَوْلُ جَرِيرٍ يَمْدَحُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ:

أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا ... وَأَنْدَى الْعَالَمِينَ بُطُونَ رَاحِ

أَيْ: أَنْتُمْ خَيْرُ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا، وَأَنْدَى إِلَخْ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: نَشْرَحْ بِسُكُونِ الْحَاءِ بِالْجَزْمِ، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ الْعَبَّاسِيُّ بِفَتْحِهَا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قَالُوا: لَعَلَّهُ بَيَّنَ الْحَاءَ وَأَشْبَعَهَا فِي مَخْرَجِهَا، فَظَنَّ السَّامِعُ أَنَّهُ فَتَحَهَا. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إِنَّ الْأَصْلَ أَلَمْ نَشْرَحَنَ بِالنُّونِ الْخَفِيفَةِ، ثُمَّ إِبْدَالُهَا أَلِفًا، ثُمَّ حَذْفُهَا تَخْفِيفًا كَمَا أَنْشَدَ أَبُو زَيْدٍ:

مِنْ أَيِّ يَوْمَيَّ مِنَ الْمَوْتِ أَفِرُّ ... أَيَوْمَ لَمْ يُقَدَّرَ أَمْ يَوْمَ قُدِّرْ

بِفَتْحِ الرَّاءِ مِنْ لَمْ يُقَدَّرَ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:

اضْرِبَ عَنْكَ الْهُمُومَ طَارِقَهَا ... ضَرْبَكَ بِالسَّيْفِ قَوْنَسَ الْفَرَسِ

بِفَتْحِ الْبَاءِ مِنِ اضْرِبَ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ تَوْكِيدِ الْمَجْزُومِ بِلَمْ، وَهُوَ قَلِيلٌ جِدًّا كَقَوْلِهِ:

يَحْسَبُهُ الْجَاهِلُ مَا لَمْ يعلما ... شيخا على كرسيّه معمّما


(١) . الزمر: ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>