للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٢٨ الى ٣٧]

ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي مَا رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٩) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٠) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢)

وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤) أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (٣٥) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (٣٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣٧)

قَوْلُهُ: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا قَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْمَثَلِ، وَمِنْ فِي مِنْ أَنْفُسِكُمْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَهِيَ وَمَجْرُورُهَا: فِي مَحَلِّ نَصْبٍ صِفَةً لِمَثَلًا، أَيْ: مَثَلًا مُنْتَزَعًا وَمَأْخُوذًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّهَا أَقْرَبُ شَيْءٍ مِنْكُمْ، وَأَبْيَنُ مِنْ غَيْرِهَا عِنْدَكُمْ، فَإِذَا ضَرَبَ لَكُمُ الْمَثَلَ بِهَا فِي بُطْلَانِ الشِّرْكِ كَانَ أَظْهَرَ دَلَالَةً، وَأَعْظَمَ وُضُوحًا. ثُمَّ بَيَّنَ الْمَثَلَ الْمَذْكُورَ فَقَالَ: هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي مَا رَزَقْناكُمْ «مِنْ» فِي «مِمَّا مَلَكَتْ» : لِلتَّبْعِيضِ، وَفِي «مِنْ شُرَكَاءَ» : زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، وَالْمَعْنَى هَلْ لَكُمْ شُرَكَاءُ فِيمَا رَزَقْنَاكُمْ كَائِنُونَ مِنَ النَّوْعِ الَّذِي مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، وَهُمُ: الْعَبِيدُ، وَالْإِمَاءُ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ، وَجُمْلَةُ: فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ جَوَابٌ لِلِاسْتِفْهَامِ الَّذِي بِمَعْنَى النَّفْيِ، وَمُحَقِّقَةٌ لِمَعْنَى الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ الْعَبِيدِ، وَالْإِمَاءِ الْمَمْلُوكِينَ لَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، أَيْ: هَلْ تَرْضَوْنَ لِأَنْفُسِكُمْ، والحال أن عبيدكم وإماءكم، وأمثالكم فِي الْبَشَرِيَّةِ أَنْ يُسَاوُوكُمْ فِي التَّصَرُّفِ بِمَا رَزَقْنَاكُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَيُشَارِكُوكُمْ فِيهَا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ الْكَافُ نعت مصدر محذوف، أي: تخافونهم خيفة كخيفتكم أنفسكم، أي: كما تَخَافُونَ الْأَحْرَارَ الْمُشَابِهِينَ لَكُمْ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَمِلْكِ الْأَمْوَالِ، وَجَوَازِ التَّصَرُّفِ، وَالْمَقْصُودُ نَفْيُ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ: الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَمْلُوكِينَ، وَالِاسْتِوَاءِ مَعَهُمْ، وَخَوْفِهِمْ إِيَّاهُمْ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ: ثُبُوتَ الشَّرِكَةِ، وَنَفْيَ الِاسْتِوَاءِ، وَالْخَوْفَ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِمْ:

مَا تَأْتِينَا فَتُحَدِّثَنَا. وَالْمُرَادُ: إِقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولُوا لَا نَرْضَى بِذَلِكَ، فَيُقَالُ لَهُمْ:

فَكَيْفَ تُنَزِّهُونَ أَنْفُسَكُمْ عَنْ مُشَارَكَةِ الْمَمْلُوكِينَ لَكُمْ وَهُمْ أَمْثَالُكُمْ فِي الْبَشَرِيَّةِ، وَتَجْعَلُونَ عَبِيدَ اللَّهِ شُرَكَاءَ لَهُ؟

فَإِذَا بَطَلَتِ الشَّرِكَةُ بَيْنَ الْعَبِيدِ، وَسَادَاتِهِمْ، فِيمَا يَمْلِكُهُ السَّادَةُ بَطَلَتِ الشَّرِكَةُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَبِيدُ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنَّهُ الرَّبُّ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وقرأ الْجُمْهُورُ «أَنْفُسَكُمْ» بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَعْمُولُ الْمَصْدَرِ الْمُضَافِ إِلَى فَاعِلِهِ، وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ بِالرَّفْعِ عَلَى إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى مَفْعُولِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>