وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «وجد رسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ شَيْئًا فَلَمَّا أَصْبَحَ قِيلَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أَثَرَ الْوَجَعِ عَلَيْكَ لَبَّيِّنٌ، قَالَ: أَمَا إِنِّي عَلَى مَا تَرَوْنَ بِحَمْدِ اللَّهِ قَدْ قَرَأْتُ السَّبْعَ الطِّوَالَ» .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: «قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَرَأَ السَّبْعَ الطِّوَالَ فِي سَبْعِ رَكَعَاتٍ» . وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ بِالسَّبْعِ الطِّوَالِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ» . وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «سَلُونِي عَنْ سُورَةِ النِّسَاءِ فَإِنِّي قَرَأْتُ الْقُرْآنَ وَأَنَا صَغِيرٌ» قَالَ الْحَاكِمُ:
صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ عَنْهُ قَالَ: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ النِّسَاءِ فَعَلِمَ مَا يُحْجَبُ مِمَّا لَا يُحْجَبُ علم الفرائض» .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة النساء (٤) : الآيات ١ الى ٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (١) وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (٢) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (٣) وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٤)
الْمُرَادُ بِالنَّاسِ: الْمَوْجُودُونَ عِنْدَ الْخِطَابِ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَيَدْخُلُ مَنْ سَيُوجَدُ، بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ، وَهُوَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِمَا كُلِّفَ بِهِ الْمَوْجُودُونَ، أَوْ تَغْلِيبُ الْمَوْجُودِينَ عَلَى مَنْ لَمْ يُوجَدْ، كَمَا غَلَّبَ الذُّكُورَ عَلَى الْإِنَاثِ فِي قَوْلِهِ: اتَّقُوا رَبَّكُمُ لِاخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِجَمْعِ الْمُذَكَّرِ. وَالْمُرَادُ بِالنَّفْسِ الْوَاحِدَةِ هُنَا: آدَمَ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: وَاحِدٍ، بِغَيْرِ هَاءٍ، عَلَى مُرَاعَاةِ الْمَعْنَى، فَالتَّأْنِيثُ: بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ، وَالتَّذْكِيرُ: بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى. قَوْلُهُ:
وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها قِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، أَيْ: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ خَلَقَهَا أَوَّلًا، وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَقِيلَ: عَلَى: خَلْقِكُمْ، فَيَكُونُ الْفِعْلُ الثَّانِي دَاخِلًا مَعَ الْأَوَّلِ فِي حَيِّزِ الصِّلَةِ.
وَالْمَعْنَى: وَخَلَقَ مِنْ تِلْكَ النَّفْسِ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ آدَمَ زَوْجَهَا، وَهِيَ حَوَّاءُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ مَعْنَى:
التَّقْوَى، وَالرَّبِّ، وَالزَّوْجِ، وَالْبَثِّ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: مِنْها رَاجِعٌ إلى آدم وحواء المعبر عنهما بالنفس والزوج. وقوله: كَثِيراً وصف مؤكد، تُفِيدُهُ صِيغَةُ الْجَمْعِ، لِكَوْنِهَا مِنْ جُمُوعِ الْكَثْرَةِ، وَقِيلَ: هُوَ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: بَثًّا كَثِيرًا. وَقَوْلُهُ: وَنِساءً أَيْ: كَثِيرَةً، وَتَرَكَ التَّصْرِيحَ بِهِ اسْتِغْنَاءً بِالْوَصْفِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ: قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ بِحَذْفِ التَّاءِ الثَّانِيَةِ، وَأَصْلُهُ تَتَسَاءَلُونَ، تَخْفِيفًا لِاجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ. وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَابْنُ عَامِرٍ، بِإِدْغَامِ التَّاءِ فِي