قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها بِوَلَدِهَا وَلا تَحْزَنَ عَلَى فِرَاقِهِ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ أَيْ: جَمِيعَ وَعْدِهِ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ مَا وَعَدَهَا بِقَوْلِهِ: إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ حَقٌّ لَا خَلْفَ فِيهِ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَيْ: أَكْثَرُ آلِ فِرْعَوْنَ لَا يَعْلَمُونَ بِذَلِكَ، بَلْ كَانُوا فِي غَفْلَةٍ عَنِ الْقَدَرِ وَسِرِّ الْقَضَاءِ، أَوْ أَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ بِذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ وَعَدَهَا بِأَنْ يَرُدَّهُ إِلَيْهَا.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً قَالَ: فَرَّقَ بَيْنَهُمْ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً قَالَ: يَسْتَعْبِدُ طَائِفَةً مِنْهُمْ وَيَدَعُ طَائِفَةً، وَيَقْتُلُ طَائِفَةً، وَيَسْتَحْيِي طَائِفَةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي قَوْلِهِ: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً قَالَ: يُوسُفُ وَوَلَدُهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حاتم عن قتادة فِي قَوْلِهِ:
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ قَالَ: هُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً أَيْ: وُلَاةَ الْأَمْرِ وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ أَيِ: الَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ بَعْدَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ مَا كانُوا يَحْذَرُونَ قَالَ مَا كَانَ الْقَوْمُ حَذَّرُوهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَيْ: أَلْهَمْنَاهَا الَّذِي صَنَعَتْ بِمُوسَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ قَالَ: أَنْ يَسْمَعَ جِيرَانُكِ صَوْتَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً قَالَ: فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا إِلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً قَالَ: خَالِيًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ غَيْرَ ذِكْرِ مُوسَى.
وَفِي قَوْلِهِ: إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ قَالَ: تَقُولُ: يَا ابْنَاهُ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ أَيِ: اتْبَعِي أَثَرَهُ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ قَالَ: عَنْ جَانِبٍ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِخَدِيجَةَ: «أَمَا شَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ زَوَّجَنِي مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ، وَكُلْثُومَ أُخْتَ مُوسَى، وَامْرَأَةَ فِرْعَوْنَ؟ قَالَتْ: هَنِيئًا لَكَ يَا رَسُولَ الله» وأخرج ابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ مَرْفُوعًا بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا، وَفِي آخِرِهِ أَنَّهَا قَالَتْ: بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ قال: لا يؤتى بمرضع فيقبلها.
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ١٤ الى ٢٤]
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (١٧) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨)
فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يَا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩) وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يَا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (٢٢) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ مَا خَطْبُكُما قالَتا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣)
فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤)