للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة العنكبوت]

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي كَوْنِهَا مَكِّيَّةً، أَوْ مَدَنِيَّةً، أَوْ بَعْضِهَا مَكِّيًّا، وَبَعْضِهَا مَدَنِيًّا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا، أَخْرَجَهُ ابْنُ الضُّرَيْسِ، وَالنَّحَّاسُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنِ ابْنِ عباس، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَعِكْرِمَةُ، وَعَطَاءٌ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي:

أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ كُلُّهَا، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ، ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةَ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهَا مكية إلا عشر آيات من أوّلها، وَهُوَ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ سَلَّامٍ. وَحُكِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَهَذَا قَوْلٌ رَابِعٌ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي السُّنَنِ عَنْ عَائِشَةُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الأولى: بالعنكبوت، أو الروم، وفي الثانية: بيس.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ١ الى ١٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (٣) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٤)

مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥) وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٧) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (٩)

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (١٠) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ (١١) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٢) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣)

قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى فَاتِحَةِ هَذِهِ السُّورَةِ مُسْتَوْفًى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ: أَحَسِبَ النَّاسُ لِلتَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ، وأَنْ يُتْرَكُوا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِحَسِبَ، وَهِيَ وَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْمَفْعُولَيْنِ عَلَى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ وَالْجُمْهُورِ، وأَنْ يَقُولُوا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى تَقْدِيرِ: لِأَنْ يَقُولُوا، أَوْ بِأَنْ يَقُولُوا، أَوْ عَلَى أَنْ يَقُولُوا، وَقِيلَ: هُوَ بَدَلٌ مِنْ أَنْ يُتْرَكُوا، وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ النَّاسَ لَا يُتْرَكُونَ بِغَيْرِ اخْتِبَارٍ وَلَا ابْتِلَاءٍ أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ أَيْ: وَهُمْ لَا يُبْتَلَوْنَ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَأَنْفُسِهِمْ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا حَسِبُوا،

<<  <  ج: ص:  >  >>