للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْيَهُودِ، قَالُوا كَيْفَ وَقَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاةَ فِيهَا كَلَامُ اللَّهِ وَأَحْكَامُهُ، فَنَزَلَتْ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْمُرَادُ بِالْبَحْرِ هُنَا:

الْمَاءُ الْعَذْبُ الَّذِي يُنْبِتُ الْأَقْلَامَ، وَأَمَّا الْمَاءُ الْمَالِحُ، فَلَا يُنْبِتُ الْأَقْلَامَ. قُلْتُ: مَا أَسْقَطَ هَذَا الْكَلَامَ، وَأَقَلَّ جَدْوَاهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ أَيْ: غَالِبٌ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ حِكْمَتِهِ، وَعِلْمِهِ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ مَخْلُوقَاتِهِ مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ أَيْ: إِلَّا كَخَلْقِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَبَعْثِهَا. قَالَ النَّحَّاسُ: كَذَا قدّره النحويون، كخلق نفس مثل قوله: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ «١» قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ: قُدْرَةُ اللَّهِ عَلَى بَعْثِ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ وَعَلَى خَلْقِهِمْ كَقُدْرَتِهِ عَلَى خَلْقِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَبَعْثِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لِكُلِّ مَا يَسْمَعُ بَصِيرٌ بِكُلِّ مَا يُبْصِرُ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ:

وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ الْآيَةَ، قَالَ: هَذِهِ مِنْ كُنُوزِ عِلْمِي، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَمَّا الظَّاهِرَةُ:

فَمَا سَوَّى مِنْ خَلْقِكَ، وَأَمَّا الْبَاطِنَةُ: فَمَا سَتَرَ مِنْ عَوْرَتِكَ، وَلَوْ أَبْدَاهَا لَقَلَاكَ أَهْلُكَ فَمَنْ سِوَاهُمْ» .

وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، وَالدَّيْلَمِيُّ، وَابْنُ النَّجَّارِ عَنْهُ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً فَقَالَ: أَمَّا الظَّاهِرَةُ: فَالْإِسْلَامُ وَمَا سَوَّى مِنْ خَلْقِكَ وَمَا أَسْبَغَ عَلَيْكَ مِنْ رِزْقِهِ، وأمّا الباطنة: فما ستر من مساوئ عَمَلِكَ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: النِّعْمَةُ الظَّاهِرَةُ: الْإِسْلَامُ، وَالنِّعْمَةُ الْبَاطِنَةُ: كُلُّ مَا يَسْتُرُ عَلَيْكُمْ مِنَ الذُّنُوبِ، وَالْعُيُوبِ، وَالْحُدُودِ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ هِيَ:

لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَابْنُ جرير، عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ الْآيَةَ «أَنَّ أَحْبَارَ الْيَهُودِ قَالُوا لِرَسُولِ الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ: يَا مُحَمَّدُ! أَرَأَيْتَ قَوْلَكَ وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا «٢» إِيَّانَا تُرِيدُ أَمْ قَوْمَكَ؟ فَقَالَ كُلًّا، فَقَالُوا: أَلَسْتَ تَتْلُو فِيمَا جَاءَكَ أَنَّا قَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاةَ وَفِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ؟ فَقَالَ: إِنَّهَا فِي عِلْمِ اللَّهِ قَلِيلٌ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ بِأَطْوَلَ مِنْهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ أَيْضًا عن ابن مسعود نحوه.

[سورة لقمان (٣١) : الآيات ٢٩ الى ٣٤]

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (٣٣)

إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤)


(١) . يوسف: ٨٢.
(٢) . الإسراء: ٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>