للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيِ: الْإِسْلَامُ وَالتَّوْحِيدُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْقُرْآنُ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: التَّقْدِيرُ صَاحِبُ الْحَقِّ، أَيِ: الْكِتَابُ الَّذِي فِيهِ الْبَرَاهِينُ وَالْحُجَجُ.

وَأَقُولُ: لَا وَجْهَ لِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ جَاءَ كَمَا جَاءَ صَاحِبُهُ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ أَيْ: ذَهَبَ الْبَاطِلُ ذَهَابًا لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِقْبَالٌ وَلَا إِدْبَارٌ وَلَا إِبْدَاءٌ وَلَا إِعَادَةٌ. قَالَ قَتَادَةُ: الْبَاطِلُ هُوَ الشَّيْطَانُ أَيْ: مَا يَخْلُقُ الشَّيْطَانُ ابْتِدَاءً وَلَا يَبْعَثُ، وَبِهِ قَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونُ مَا اسْتِفْهَامِيَّةً، أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ يُبْدِيهِ، وَأَيُّ شَيْءٍ يُعِيدُهُ؟ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ عَنِ الطَّرِيقِ الْحَقَّةِ الْوَاضِحَةِ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي أَيْ: إِثْمُ ضَلَالَتِي يَكُونُ عَلَى نَفْسِي، وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ قَالُوا لَهُ تَرَكْتَ دِينَ آبَائِكَ فَضَلَلْتَ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلَ: وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي مِنَ الْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ وَالْبَيَانِ بِالْقُرْآنِ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مِنِّي وَمِنْكُمْ يَعْلَمُ الْهُدَى وَالضَّلَالَةَ، قَرَأَ الْجُمْهُورُ «ضَلَلْتُ» بِفَتْحِ اللَّامِ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ بِكَسْرِ اللَّامِ، وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْعَالِيَةِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ مَا آتَيْناهُمْ يَقُولُ:

مِنَ الْقُوَّةِ فِي الدُّنْيَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ فِي الْآيَةِ «١» قَالَ: يَقُومُ الرَّجُلُ مَعَ الرَّجُلِ أَوْ وَحْدَهُ فَيُفَكِّرُ مَا بِصَاحِبِهِ مِنْ جِنَّةٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ مَا بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ يَقُولُ: إِنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ. وَأَخْرَجَ هَؤُلَاءِ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ أَيْ: مِنْ جُعْلٍ فَهُوَ لَكُمْ، يَقُولُ: لَمْ أَسْأَلْكُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ جُعْلًا، وَفِي قَوْلِهِ: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ قَالَ: بِالْوَحْيِ، وَفِي قَوْلِهِ: وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ قَالَ: الشَّيْطَانُ لَا يُبْدِئُ وَلَا يُعِيدُ إِذَا هَلَكَ. وَأَخْرَجَ هَؤُلَاءِ أَيْضًا عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ قَالَ: مَا يَخْلُقُ إِبْلِيسُ شَيْئًا وَلَا يَبْعَثُهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ فِي قَوْلِهِ: إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي قال: إنما أؤخذ بجنايتي.

[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٥١ الى ٥٤]

وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٥١) وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤)

ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ حَالًا مِنْ أَحْوَالِ الْكُفَّارِ فَقَالَ: وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا وَالْخِطَابُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ، قِيلَ الْمُرَادُ فَزَعُهُمْ عِنْدَ نُزُولِ الْمَوْتِ بِهِمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ فَزَعُهُمْ فِي الْقُبُورِ مِنَ الصَّيْحَةِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ فَزَعُهُمْ إِذَا خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ فَزَعُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ حِينَ ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ بِسُيُوفِ الْمَلَائِكَةِ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا فِرَارًا وَلَا رُجُوعًا إِلَى التَّوْبَةِ. وَقَالَ ابْنُ مُغَفَّلٍ: هو فزعهم إذا عاينوا


(١) . أي: قوله تعالى: قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى....

<<  <  ج: ص:  >  >>