للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَرْيَمَ» . وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها قَالَ: كَانَ رَجَلًا ذَا لِحْيَةٍ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْهُ قَالَ: كَانَ مِنْ خَاصَّةِ الْمَلِكِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ لَهُ فَهْمٌ وَعِلْمٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: ابْنُ عَمٍّ لَهَا كَانَ حَكِيمًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِإِنْسِيٍّ وَلَا جِنِّيٍّ، هُوَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ. قُلْتُ: وَلَعَلَّهُ لَمْ يَسْتَحْضِرْ قَوْلَهُ تَعَالَى: مِنْ أَهْلِها.

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٣٠ الى ٣٤]

وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٠) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢) قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤)

يُقَالُ نُسْوَةٌ بِضَمِّ النُّونِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْأَعْمَشِ وَالْفَضْلِ وَسُلَيْمَانَ، وَيُقَالُ نِسْوَةٌ بِكَسْرِ النُّونِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْبَاقِينَ، وَالْمُرَادُ جَمَاعَةٌ مِنَ النِّسَاءِ وَيَجُوزُ التَّذْكِيرُ فِي الْفِعْلِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِنَّ كَمَا يَجُوزُ التَّأْنِيثُ. قِيلَ: وَهُنَّ امْرَأَةُ سَاقِي الْعَزِيزِ وَامْرَأَةُ خَبَّازِهِ، وَامْرَأَةُ صَاحِبِ دَوَابِّهِ، وَامْرَأَةُ صَاحِبِ سِجْنِهِ، وَامْرَأَةُ حَاجِبِهِ. وَالْفَتَى فِي كَلَامِ الْعَرَبِ:

الشَّابُّ، وَالْفَتَاةُ: الشَّابَّةُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا: غُلَامُهَا، يُقَالُ: فَتَايَ وَفَتَاتِي، أَيْ: غُلَامِي وَجَارِيَتِي، وَجُمْلَةُ قَدْ شَغَفَها حُبًّا فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهَا خَبَرٌ ثَانٍ لِلْمُبْتَدَأِ، أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَمَعْنَى شَغَفَهَا حُبًّا:

غَلَبَهَا حُبُّهُ، وَقِيلَ: دَخَلَ حُبُّهُ فِي شِغَافِهَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَشَغَافُ الْقَلْبِ غِلَافُهُ، وَهُوَ جَلْدَةٌ عَلَيْهِ وَقِيلَ:

هُوَ وَسَطَ الْقَلْبِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَعْنَى: دَخَلَ حُبُّهُ إِلَى شَغَافِهَا فَغَلَبَ عَلَيْهِ، وَأَنْشَدَ الْأَصْمَعِيُّ قَوْلُ الرَّاجِزِ:

يَتْبَعُهَا وَهِيَ لَهُ شَغَافٌ وَقَرَأَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ والحسن وشعفها بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: مَعْنَاهُ أَجْرَى حُبَّهُ عَلَيْهَا «١» وَقَرَأَ غَيْرُهُمْ بِالْمُعْجَمَةِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: شَعَفَهُ الْحُبُّ أَحْرَقَ قَلْبَهُ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: أَمْرَضَهُ. قَالَ النَّحَّاسُ: مَعْنَاهُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ: قَدْ ذَهَبَ بِهَا كُلَّ مَذْهَبٍ لِأَنَّ شِعَافَ الْجِبَالِ: أَعَالِيهَا، وَقَدْ شَغِفَ بِذَلِكَ شَغَفًا بإسكان الغين المعجمة. إذا أولع بِهِ، وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ بَيْتَ امْرِئِ الْقَيْسِ:

أَتَقْتُلُنِي مَنْ قَدْ شَغَفْتُ فُؤَادَهَا ... كَمَا شَغَفَ المهنوءة «٢» الرجل الطّالي


(١) . في تفسير القرطبي (٩/ ١٧٦) : أحرق حبه قلبها.
(٢) . «المهنوءة» : المطلية بالقطران.

<<  <  ج: ص:  >  >>