للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة مريم (١٩) : الآيات ٨١ الى ٩٥]

وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١) كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (٨٢) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣) فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (٨٤) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (٨٥)

وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (٨٦) لَا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٨٧) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (٨٩) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠)

أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (٩٣) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (٩٥)

حَكَى سُبْحَانَهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَا لَا يَسْتَحِقُّونَهُ، وَتَأَلَّوْا عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنِ اتِّخَاذِهِمُ الْآلِهَةَ مَنْ دُونِ اللَّهِ لِأَجَلِ يَتَعَزَّزُونَ بِذَلِكَ. قَالَ الْهَرَوِيُّ: مَعْنَى لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا لِيَكُونُوا لَهُمْ أَعْوَانًا.

قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ لِيَكُونُوا لَهُمْ شُفَعَاءَ فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: لِيَتَعَزَّزُوا بِهِمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَيَمْتَنِعُوا بِهَا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ أَيْ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنُّوا وَتَوَهَّمُوا، وَالضَّمِيرُ فِي الْفِعْلِ إِمَّا لِلْآلِهَةِ، أَيْ: سَتَجْحَدُ هَذِهِ الْأَصْنَامُ عِبَادَةَ الْكُفَّارِ لَهَا يوم ينطقها الله سبحانه لأنها عند ما عَبَدُوهَا جَمَادَاتٌ لَا تَعْقِلُ ذَلِكَ، وَإِمَّا لِلْمُشْرِكِينَ، أَيْ: سَيَجْحَدُ الْمُشْرِكُونَ أَنَّهُمْ عَبَدُوا الْأَصْنَامَ، وَيَدُلُّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ «١» وقوله: فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ «٢» ، وَيَدُلُّ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ «٣» وقرأ أبو نُهَيْكٍ كَلًّا بِالتَّنْوِينِ، وَرُوِيَ عَنْهُ مَعَ ذَلِكَ ضَمُّ الْكَافِ وَفَتْحُهَا، فَعَلَى الضَّمِّ هِيَ بِمَعْنَى جَمِيعًا وَانْتِصَابِهَا بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، كَأَنَّهُ قَالَ: سَيَكْفُرُونَ «كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ» «٤» ، وَعَلَى الْفَتْحِ يَكُونُ مَصْدَرًا لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: كَلَّ هَذَا الرَّأْيُ كَلًّا، وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ هِيَ الصَّوَابُ، وَهِيَ حَرْفُ رَدْعٍ وَزَجْرٍ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا أَيْ: تَكُونُ هَذِهِ الْآلِهَةُ الَّتِي ظَنُّوهَا عِزًّا لَهُمْ ضِدًّا عَلَيْهِمْ: أَيْ ضِدًّا لِلْعِزِّ وَضِدُّ الْعِزِّ: الذُّلُّ هَذَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَيَكُونُ الْمُشْرِكُونَ لِلْآلِهَةِ ضِدًّا وَأَعْدَاءً يَكْفُرُونَ بِهَا بَعْدَ أَنْ كَانُوا يُحِبُّونَهَا وَيُؤْمِنُونَ بِهَا أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ. ذَكَرَ الزَّجَّاجُ فِي مَعْنَى هَذَا وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَعْنَاهُ خَلَّيْنَا بَيْنَ الْكَافِرِينَ وَبَيْنَ الشَّيَاطِينِ فَلَمْ نَعْصِمْهُمْ مِنْهُمْ وَلَمْ نُعِذْهُمْ، بِخِلَافِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ قِيلَ فِيهِمْ: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ «٥» . الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ وَقُيِّضُوا لَهُمْ بِكُفْرِهِمْ، قَالَ: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً «٦» فَمَعْنَى الْإِرْسَالِ هَاهُنَا التَّسْلِيطُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ لِإِبْلِيسَ: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ «٧» وَيُؤَيِّدُ الْوَجْهَ الثَّانِي تَمَامُ الْآيَةِ، وَهُوَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا فإن الأزّ والهزّ والاستفزاز معناه التَّحْرِيكُ وَالتَّهْيِيجُ وَالْإِزْعَاجُ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ الشياطين


(١) . القصص: ٦٣.
(٢) . النحل: ٨٦.
(٣) . الأنعام: ٢٣.
(٤) . أي اتخاذهم الآلهة. [.....]
(٥) . الحجر: ٤٢ والإسراء: ٦٥.
(٦) . الزخرف: ٣٦.
(٧) . الإسراء: ٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>