ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَسْلَمَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا وَامْرَأَةٌ، ثُمَّ إِنْ عُمَرَ أَسْلَمَ صَارُوا أَرْبَعِينَ، فنزل يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لَمَّا أَسْلَمَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَسِتُّ نِسْوَةٍ، ثُمَّ أسلم عمر نزلت يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الْآيَةِ قَالَ: نَزَلَتْ فِي الْأَنْصَارِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عن الشعبي في قوله يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: حَسْبُكَ اللَّهُ وَحَسْبُ مَنِ اتَّبَعَكَ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ فَكَتَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ، وَأَنْ لَا يَفِرَّ عِشْرُونَ مِنْ مِائَتَيْنِ، ثُمَّ نَزَلَتْ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ الْآيَةَ فَكَتَبَ أَنْ لَا يَفِرَّ مِائَةٌ مِنْ مِائَتَيْنِ، قَالَ سُفْيَانُ وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: وَأَرَى الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ مِثْلَ هَذَا، إِنْ كَانَا رَجُلَيْنِ أَمَرَهُمَا وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَهُوَ فِي سِعَةٍ مِنْ تَرْكِهِمْ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَالنَّحَّاسُ فِي نَاسِخِهِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ شَقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حِينَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ، فَجَاءَ التَّخْفِيفُ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ الْآيَةَ قَالَ: فَلَمَّا خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنَ الْعِدَّةِ نَقَصَ مِنَ الصَّبْرِ بقدر ما خفّف عنهم.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٦٧ الى ٦٩]
مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩)
هَذَا حُكْمٌ آخَرُ مِنْ أَحْكَامِ الْجِهَادِ. وَمَعْنَى مَا كانَ لِنَبِيٍّ مَا صَحَّ لَهُ وَمَا اسْتَقَامَ، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَسُهَيْلٌ وَيَعْقُوبُ وَيَزِيدُ، وَالْمُفَضَّلُ: أَنْ تَكُونَ بِالْفَوْقِيَّةِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّحْتِيَّةِ، وَقَرَأَ أَيْضًا يَزِيدُ وَالْمُفَضَّلُ أُسَارَى وَقَرَأَ الْبَاقُونَ أَسْرى وَالْأَسْرَى: جَمْعُ أَسِيرٍ، مِثْلَ: قَتْلَى وَقَتِيلٍ، وَجَرْحَى وَجَرِيحٍ. وَيُقَالُ: فِي جَمْعِ أَسِيرٍ أَيْضًا: أُسَارَى بضم الهمزة وبفتحها، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَسْرِ، وَهُوَ الْقَدُّ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَشُدُّونَ بِهِ الْأَسِيرَ، فَسُمِّيَ كُلُّ أَخِيذٍ وَإِنْ لَمْ يُشَدَّ بِالْقَدِّ أَسِيرًا. قَالَ الْأَعْشَى:
وقيّدني الشّعر في بيته ... كما قيّد الْأَسَرَاتُ الْحِمَارَا
وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: الأسرى: هم غير الموثقين عند ما يؤخذون، والأسارى: هم الموثقون ربطا.
وَالْإِثْخَانُ: كَثْرَةُ الْقَتْلِ، وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِ تَقُولُ الْعَرَبُ: أَثْخَنَ فُلَانٌ فِي هَذَا الْأَمْرِ: أَيْ بَالَغَ فِيهِ. فَالْمَعْنَى: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُبَالِغَ فِي قَتْلِ الْكَافِرِينَ، وَيَسْتَكْثِرَ مِنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْإِثْخَانِ: التَّمَكُّنُ وَقِيلَ: هُوَ الْقُوَّةُ. أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ قَتْلَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ كَانَ أَوْلَى مِنْ أَسْرِهِمْ، وَفِدَائِهِمْ، ثُمَّ لَمَّا كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ رَخَّصَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً «١» كَمَا يَأْتِي فِي سُورَةِ الْقِتَالِ إِنْ شَاءَ الله. قوله
(١) . محمد: ٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute