فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ، وَأَمَّا الَّذِينَ لَيْسُوا بِأَهْلِهَا فَإِنَّ النَّارَ تُمِيتُهُمْ إِمَاتَةً، ثُمَّ يَقُومُ الشُّفَعَاءُ فَيَشْفَعُونَ، فَيُؤْتَى بِهِمْ ضَبَائِرَ «١» عَلَى نَهْرٍ يُقَالُ لَهُ الْحَيَاةُ أَوِ الْحَيَوَانُ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْغُثَاءُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ» . وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أن أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى لَيَرَاهُمْ مَنْ تَحْتَهُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ، وَأَنْعَمَا» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظِ: «إِنَّ أَهْلَ عِلِّيِّينَ لَيَرَوْنَ مَنْ فَوْقَهُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الْغَابِرَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ» .
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٧٧ الى ٩١]
وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (٧٧) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (٧٩) يَا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (٨٠) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (٨١)
وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (٨٢) وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسى (٨٣) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (٨٤) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦)
قالُوا مَا أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هَذَا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩) وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١)
هَذَا شُرُوعٌ فِي إِنْجَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَإِهْلَاكِ عَدُوِّهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ، وَفِي الْأَعْرَافِ، وَفِي يُونُسَ، وَاللَّامُ فِي «لَقَدْ» هِيَ الْمُوَطِّئَةُ لِلْقَسَمِ، وَفِي ذَلِكَ مِنَ التَّأْكِيدِ مَا لَا يَخْفَى، وأَنْ فِي «أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي» ، إِمَّا الْمُفَسِّرَةُ لِأَنَّ فِي الْوَحْيِ مَعْنَى الْقَوْلِ، أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ: بِأَنْ أَسْرِ، أَيْ: أَسْرِ بِهِمْ مِنْ مِصْرَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا مُسْتَوْفًى. فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً أَيِ: اجْعَلْ لَهُمْ طَرِيقًا، وَمَعْنَى يَبَسًا: يَابِسًا، وُصِفَ بِهِ الْفَاعِلُ مُبَالَغَةً، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَيْبَسَ لَهُمْ تِلْكَ الطَّرِيقَ حَتَّى لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَاءٌ وَلَا طِينٌ. وَقُرِئَ يَبَساً بِسُكُونِ الْبَاءِ عَلَى أَنَّهُ مخفف من يبسا المحرك، أو جمع يَابِسٍ كَصَحْبٍ فِي صَاحِبٍ. وَجُمْلَةُ لَا تَخافُ دَرَكاً فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: آمِنًا مِنْ أَنْ يُدْرِكَكُمُ الْعَدُوُّ، أَوْ صِفَةٌ أُخْرَى لِطَرِيقٍ، وَالدَّرَكُ: اللَّحَاقُ بِهِمْ مِنْ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ لَا تَخَفْ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ الْأَمْرِ، وَالتَّقْدِيرُ: إِنْ تَضْرِبْ لَا تَخَفْ، وَلَا تَخْشَى عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ مُسْتَأْنَفٌ، أَيْ: وَلَا أَنْتَ تَخْشَى مِنْ فِرْعَوْنَ أَوْ مِنَ الْبَحْرِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ لَا تَخافُ وَهِيَ أَرْجَحُ لِعَدَمِ الْجَزْمِ فِي تَخْشَى، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ صِفَةً أُخْرَى لطريق، أي:
(١) . أي جماعات.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute