للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ قال يهود فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً قَالَ: كَذِبًا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أبي حاتم عن قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ هُوَ الْقُرْآنُ، فِيهِ حَلَالُهُ وَحَرَامُهُ، وَشَرَائِعُهُ وَدِينُهُ، وَفَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً قَالَ: بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَذِيرًا مِنَ اللَّهِ لِيُنْذِرَ النَّاسَ بَأْسَ اللَّهِ، وَوَقَائِعَهُ بِمَنْ خَلَا قَبْلَكُمْ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً قَالَ: بَيَّنَ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ صَلَاحَهُ، وَجَعَلَ ذَلِكَ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قَالَ: هِيَ الْأَوْثَانُ الَّتِي تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وهو الله الخالق الرزاق، وَهَذِهِ الْأَوْثَانُ تُخْلَقُ وَلَا تَخْلُقُ شَيْئًا وَلَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَا تَمْلِكُ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا: يَعْنِي بَعْثًا وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَذَا قَوْلُ مُشْرِكِي الْعَرَبِ إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ هُوَ الْكَذِبُ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ أَيْ: عَلَى حَدِيثِهِ هَذَا، وَأَمْرِهِ قَوْمٌ آخَرُونَ، أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ كذب الأوّلين وأحاديثهم.

[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٧ الى ١٦]

وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (٧) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٨) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٩) تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (١٠) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (١١)

إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (١٢) وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (١٣) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (١٤) قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (١٥) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً (١٦)

لَمَّا فَرَغَ سُبْحَانَهُ مِنْ ذِكْرِ مَا طَعَنُوا بِهِ عَلَى الْقُرْآنِ، ذَكَرَ مَا طَعَنُوا بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ وَفِي الْإِشَارَةِ هُنَا تَصْغِيرٌ لِشَأْنِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ وَهُوَ رسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَسَمَّوْهُ رَسُولًا اسْتِهْزَاءً وَسُخْرِيَةً يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ أَيْ: مَا بَالُهُ يَأْكُلُ الطَّعَامَ كَمَا نَأْكُلُ وَيَتَرَدَّدُ فِي الْأَسْوَاقِ لِطَلَبِ الْمَعَاشِ كَمَا نَتَرَدَّدُ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَلَكًا مُسْتَغْنِيًا عَنِ الطَّعَامِ وَالْكَسْبِ، وَمَا الِاسْتِفْهَامِيَّةُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ، والاستفهام للاستنكار، وخبر الْمُبْتَدَأِ لِهَذَا الرَّسُولِ، وَجُمْلَةُ يَأْكُلُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَبِهَا تَتِمُّ فَائِدَةُ الْإِخْبَارِ كقوله: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ «١» والإنكار متوجه إلى السبب مع تحقيق الْمُسَبَّبِ، وَهُوَ الْأَكْلُ وَالْمَشْيُ، وَلَكِنَّهُ اسْتَبْعَدَ تَحَقُّقَ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ عِنْدَهُمْ تَهَكُّمًا وَاسْتِهْزَاءً.

وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ إِنْ صَحَّ مَا يَدَّعِيهِ مِنَ النُّبُوَّةِ فَمَا بَالُهُ لَمْ يُخَالِفْ حَالُهُ حَالَنَا لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً


(١) . المدثر: ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>