للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: أَتَمَّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ يَقُولُ: سَلَّمَ لَهُمْ أَمْرَهُمْ حَتَّى أَظْهَرَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ:

وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ الْآيَةَ قَالَ: لَقَدْ قَلُّوا فِي أَعْيُنِنَا يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى قُلْتُ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِي: تُرَاهُمْ سَبْعِينَ؟

قَالَ: لَا، بَلْ هُمْ مِائَةٌ، حَتَّى أَخَذْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ فَسَأَلْنَاهُ قَالَ: كُنَّا أَلْفًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: حَضَّضَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي قَوْلِهِ: لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا أَيْ: لِيَلُفَّ بَيْنَهُمُ الْحَرْبَ لِلنِّقْمَةِ مِمَّنْ أَرَادَ الِانْتِقَامَ مِنْهُ، وَالْإِنْعَامِ عَلَى مَنْ أَرَادَ النِّعْمَةَ عَلَيْهِ مَنْ أهل ولايته.

[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٤٥ الى ٤٩]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لَا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨) إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩)

قَوْلُهُ: إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً اللِّقَاءُ: الْحَرْبُ، وَالْفِئَةُ: الْجَمَاعَةُ، أَيْ: إِذَا حَارَبْتُمْ جَمَاعَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَاثْبُتُوا لَهُمْ، وَلَا تَجْبُنُوا عَنْهُمْ، وَهَذَا لَا يُنَافِي الرُّخْصَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالثَّبَاتِ هُوَ فِي حَال السِّعَةِ، وَالرُّخْصَةُ هِيَ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ. وَقَدْ لَا يَحْصُلُ الثَّبَاتُ إِلَّا بِالتَّحَرُّفِ وَالتَّحَيُّزِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ أَيِ: اذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ جَزَعِ قُلُوبِكُمْ، فَإِنَّ ذِكْرَهُ يُعِينُ عَلَى الثَّبَاتِ فِي الشَّدَائِدِ وَقِيلَ الْمَعْنَى: اثْبُتُوا بِقُلُوبِكُمْ، وَاذْكُرُوا بِأَلْسِنَتِكُمْ، فَإِنَّ الْقَلْبَ قَدْ يَسْكُنُ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَيَضْطَرِبُ اللِّسَانُ، فَأَمَرَهُمْ بِالذِّكْرِ حَتَّى يَجْتَمِعَ ثَبَاتُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، قِيلَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الذِّكْرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِمَا قَالَهُ أَصْحَابُ طَالُوتَ: رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ «١» . وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الذِّكْرِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، حَتَّى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي تَرْجُفُ فِيهَا الْقُلُوبُ، وَتَزِيغُ عِنْدَهَا الْبَصَائِرُ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ فِيمَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ فِيمَا يُرْشِدُهُمْ إِلَيْهِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ التَّنَازُعِ، وَهُوَ الِاخْتِلَافُ فِي الرَّأْيِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَتَسَبَّبُ عَنْهُ الْفَشَلُ، وَهُوَ الْجُبْنُ فِي الْحَرْبِ. وَالْفَاءُ جَوَابُ النَّهْي، وَالْفِعْلُ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ أَنْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مَعْطُوفًا عَلَى تَنَازَعُوا، مَجْزُومًا بِجَازِمِهِ. قَوْلُهُ: وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ قُرِئَ بِنَصْبِ الْفِعْلِ، وَجَزْمِهِ عَطْفًا عَلَى تَفْشَلُوا عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَالرِّيحُ: الْقُوَّةُ وَالنَّصْرُ، كَمَا يُقَالُ:

الرِّيحُ لِفُلَانٍ، إِذَا كَانَ غَالِبًا فِي الْأَمْرِ وَقِيلَ: الرِّيحُ الدَّوْلَةُ، شُبِّهَتْ فِي نُفُوذِ أَمْرِهَا بِالرِّيحِ فِي هُبُوبِهَا، ومنه قول الشاعر:


(١) . البقرة: ٢٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>