للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ فِي تَيَمُّمِ الْجُنُبِ مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْجُنُبِ فِي النِّسَاءِ. قَوْلُهُ: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ «١» قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ مُسْتَوْفًى، وَكَذَلِكَ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مُلَامَسَةِ النِّسَاءِ وَعَلَى التَّيَمُّمِ وَعَلَى الصَّعِيدِ، وَمِنْ فِي قَوْلِهِ:

مِنْهُ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَقِيلَ: لِلتَّبْعِيضِ. قِيلَ: وَوَجْهُ تَكْرِيرِ هَذَا هُنَا لِاسْتِيفَاءِ الْكَلَامِ فِي أَنْوَاعِ الطَّهَارَةِ.

مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ أَيْ مَا يُرِيدُ بِأَمْرِكُمْ بِالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ أَوْ بِالتُّرَابِ التَّضْيِيقَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «٢» ثُمَّ قَالَ: وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ مِنَ الذُّنُوبِ، وَقِيلَ: مِنَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ أَيْ بِالتَّرْخِيصِ لَكُمْ فِي التَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ أَوْ بِمَا شَرَعَهُ لَكُمْ مِنَ الشَّرَائِعِ الَّتِي عَرَّضَكُمْ بِهَا لِلثَّوَابِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ فَتَسْتَحِقُّونَ بِالشُّكْرِ ثَوَابَ الشَّاكِرِينَ.

وَقَدْ أَخْرَجَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ قَالَ: قُمْتُمْ مِنَ الْمَضَاجِعِ، يَعْنِي النَّوْمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ السُّدِّيِّ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا عَنْهُ يَقُولُ: إِذَا قُمْتُمْ وَأَنْتُمْ عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ قَالَ: ذَلِكَ الْغَسْلُ الدَّلْكُ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: إِنَّ الْحَجَّاجَ خَطَبَنَا فَقَالَ: اغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ، وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ ابْنِ آدَمَ أَقْرَبَ إِلَى الْخَبَثِ مِنْ قَدَمَيْهِ، فَاغْسِلُوا بُطُونَهُمَا وَظُهُورَهُمَا وَعَرَاقِيبَهُمَا. قَالَ أَنَسٌ:

صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ الْحَجَّاجُ، قَالَ اللَّهُ: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ وَكَانَ أَنَسٌ إِذَا مَسَحَ قَدَمَيْهِ بَلَّهُمَا. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: اجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: مِنْ حَرَجٍ قَالَ: مِنْ ضِيقٍ. وأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ قَالَ: تَمَامُ النِّعْمَةِ دُخُولُ الْجَنَّةِ، لَمْ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَى عَبْدٍ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ.

[سورة المائدة (٥) : الآيات ٧ الى ١١]

وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٨) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١)


(١) . النساء: ٤٣.
(٢) . الحج: ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>