للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ٣١ الى ٤٠]

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (٣١) حَدائِقَ وَأَعْناباً (٣٢) وَكَواعِبَ أَتْراباً (٣٣) وَكَأْساً دِهاقاً (٣٤) لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (٣٥)

جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (٣٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (٣٧) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (٣٨) ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً (٣٩) إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (٤٠)

قَوْلُهُ: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً هَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ حَالِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْخَيْرِ بَعْدَ بَيَانِ حَالِ الْكَافِرِينَ وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الشَّرِّ، وَالْمَفَازُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْفَوْزِ وَالظَّفَرِ بِالنِّعْمَةِ وَالْمَطْلُوبِ وَالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ، وَمِنْهُ قِيلَ: لِلْفَلَاةِ مَفَازَةٌ تَفَاؤُلًا بِالْخَلَاصِ مِنْهَا. ثُمَّ فَسَّرَ سُبْحَانَهُ هَذَا الْمَفَازَ فَقَالَ: حَدائِقَ وَأَعْناباً وَانْتِصَابُهُمَا عَلَى أَنَّهُمَا بَدَلٌ مِنْ «مَفَازًا» بَدَلُ اشْتِمَالٍ، أَوْ بَدَلَ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ بِجَعْلِ نَفْسِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَفَازَةً، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّصْبُ بِإِضْمَارِ أَعْنِي، وَإِذَا كَانَ مَفَازًا بِمَعْنَى الْفَوْزِ، فَيُقَدَّرُ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ، أَيْ: فَوْزُ حَدَائِقَ، وَهِيَ جَمْعُ حَدِيقَةٍ، وَهِيَ الْبُسْتَانُ الْمَحُوطُ عَلَيْهِ، وَالْأَعْنَابُ: جَمْعُ عِنَبٍ، أَيْ: كُرُومُ أَعْنَابٍ وَكَواعِبَ أَتْراباً الْكَوَاعِبُ: جَمْعُ كَاعِبَةٍ، وَهِيَ النَّاهِدَةُ، يُقَالُ: كَعَبَتِ الْجَارِيَةُ تَكْعَبُ تَكْعِيبًا وَكُعُوبًا، وَنَهَدَتْ تَنْهَدُ نُهُودًا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ نِسَاءٌ كَوَاعِبُ تَكَعَّبَتْ ثَدْيُهُنَّ وَتَفَلَّكَتْ، أَيْ: صَارَتْ ثَدْيُهُنَّ كَالْكَعْبِ فِي صُدُورِهِنَّ. قَالَ الضَّحَّاكُ: الْكَوَاعِبُ: الْعَذَارَى. قَالَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ:

وَكَمْ مِنْ حَصَانٍ قَدْ حَوَيْنَا كَرِيمَةً ... ومن كَاعِبٍ لَمْ تَدْرِ مَا الْبُؤْسُ مُعْصِرِ

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ:

وَكَانَ مِجَنِّي دُونَ ما كنت أتّقي ... ثلاث شخوص كاعبان وَمُعْصِرُ

وَالْأَتْرَابُ: الْأَقْرَانُ فِي السِّنِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَكَأْساً دِهاقاً أَيْ: مُمْتَلِئَةً. قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ: أَيْ مُتْرَعَةٌ مَمْلُوءَةٌ، يُقَالُ: أَدْهَقْتُ الْكَأْسَ، أَيْ: مَلَأْتُهَا، ومنه قول الشاعر:

ألا فاسقني صرفا سقاني السَّاقِي ... مِنْ مَائِهَا بِكَأْسِكَ الدِّهَاقِ

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ: دِهاقاً مُتَتَابِعَةً يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ:

دِهاقاً صَافِيَةً، وَالْمُرَادُ بِالْكَأْسِ الْإِنَاءُ الْمَعْرُوفُ، وَلَا يُقَالُ لَهُ الْكَأْسُ إِلَّا إِذَا كَانَ فِيهِ الشَّرَابُ لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً أَيْ: لَا يَسْمَعُونَ فِي الْجَنَّةِ لَغْواً وَهُوَ الْبَاطِلُ مِنَ الْكَلَامِ، وَلا كِذَّاباً أَيْ: وَلَا يُكَذِّبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: كِذَّاباً بِالتَّشْدِيدِ، وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ هُنَا بِالتَّخْفِيفِ، وَوَافَقَ الْجَمَاعَةُ عَلَى التَّشْدِيدِ فِي قَوْلِهِ: وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً الْمُتَقَدِّمِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ لِلتَّصْرِيحِ بِفِعْلِهِ هُنَاكَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْخِلَافَ فِي كِذَّابًا هَلْ هُوَ مِنْ مَصَادِرِ التَّفْعِيلِ أَوْ مِنْ مَصَادِرِ الْمُفَاعَلَةِ. جَزاءً مِنْ رَبِّكَ أَيْ: جَازَاهُمْ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ جَزَاءً. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى جَزَاهُمْ جَزَاءً، وَكَذَا عَطاءً أَيْ:

وَأَعْطَاهُمْ عَطَاءً حِساباً قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَافِيًا. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: كَثِيرًا، يُقَالُ: أَحَسَبْتُ فلانا، أي:

<<  <  ج: ص:  >  >>