تَقْدِيمُ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ، وَالْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ هَذِهِ الَّتِي أَخْبَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإجابة سُؤَالَ السَّائِلِ لَهُ عَنْ ذَلِكَ بِهَا وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ أَيْ: وَتَرْكَنَا فِي تِلْكَ الْقُرَى عَلَامَةً وَدَلَالَةً تَدُلُّ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ، كُلَّ مَنْ يَخَافُ عَذَابَ اللَّهِ وَيَخْشَاهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَهَذِهِ الْآيَةُ هِيَ آثَارُ الْعَذَابِ فِي تِلْكَ الْقُرَى، فَإِنَّهَا ظَاهِرَةٌ بَيِّنَةٌ، وَقِيلَ: هِيَ الْحِجَارَةُ الَّتِي رُجِمُوا بِهَا، وَإِنَّمَا خَصَّ الَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يَتَّعِظُونَ بِالْمَوَاعِظِ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي الْآيَاتِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا يَخَافُ ذَلِكَ، وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ الْمُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أبي حاتم عن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فِي صَرَّةٍ قَالَ: فِي صَيْحَةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها قَالَ: لَطَمَتْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ: لُوطٍ وَابْنَتَيْهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانُوا ثلاثة عشر.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٣٨ الى ٦٠]
وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠) وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢)
وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٤٦) وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧)
وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (٤٨) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١) كَذلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢)
أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٥٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥) وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧)
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠)
قَوْلُهُ: وَفِي مُوسى مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ «فِيهَا» بِإِعَادَةِ الْخَافِضِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَتَرَكْنَا فِي قِصَّةِ مُوسَى آيَةً، أَوْ مَعْطُوفٌ عَلَى وَفِي الْأَرْضِ وَالتَّقْدِيرُ: وَفِي الْأَرْضِ وَفِي مُوسَى آيَاتٌ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَالزَّمَخْشَرِيُّ. قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَهُوَ بِعِيدٌ جِدًّا يُنَزَّهُ الْقُرْآنُ عَنْ مثله. ويجوز أن يكون متعلقا بجعلنا مقدّر لِدَلَالَةِ وَتَرَكْنا عَلَيْهِ قِيلَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَفَ عَلَى «وَتَرَكْنا» عَلَى طَرِيقَةِ قَوْلِ الْقَائِلِ:
عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا
وَالتَّقْدِيرُ: وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً، وَجَعَلْنَا فِي مُوسَى آيَةً. قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَلَا حَاجَةَ إِلَى إِضْمَارِ وَجَعَلْنَا لِأَنَّهُ قَدْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِي الْمَجْرُورِ: وَتَرَكْنَا. وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ هُوَ الْأَوْلَى، وَمَا عَدَاهُ مُتَكَلَّفٌ مُتَعَسَّفٌ لَمْ تُلْجِئْ