[سورة الممتحنة]
وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الضَّرِيسِ وَالنَّحَّاسُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ بِالْمَدِينَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ. وَالْمُمْتَحِنَةُ، بِكَسْرِ الْحَاءِ، اسْمُ فَاعِلٍ أُضِيفَ الْفِعْلُ إِلَيْهَا مَجَازًا كَمَا سُمِّيَتْ سُورَةُ بَرَاءَةَ الْفَاضِحَةَ لِكَشْفِهَا عَنْ عُيُوبِ الْمُنَافِقِينَ، وَقِيلَ: الْمُمْتَحَنَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ اسْمُ مَفْعُولٍ إِضَافَةً إِلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا، وَهِيَ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ «١» .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الممتحنة (٦٠) : الآيات ١ الى ٣]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣)
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: نَزَلَتْ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ فِي حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ حِينَ كَتَبَ إلى مشركي قريش يخبرهم بِمَسِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الْقِصَّةِ آخِرَ الْبَحْثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَقَوْلُهُ: عَدُوِّي هُوَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ وَعَدُوَّكُمْ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي «أَوْلِيَاءَ» ، وَأَضَافَ سُبْحَانَهُ الْعَدُوَّ إِلَى نَفْسِهِ تَعْظِيمًا لِجُرْمِهِمْ، وَالْعَدُوُّ مَصْدَرٌ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمَاعَةِ، وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ. تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ أَيْ: تُوصِلُونَ إِلَيْهِمُ الْمَوَدَّةَ، عَلَى أَنَّ الْبَاءَ زَائِدَةٌ، أَوْ هِيَ سَبَبِيَّةٌ. وَالْمَعْنَى: تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ أَخْبَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِ الْمَوَدَّةِ الَّتِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ أَخْبَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسِرَّهُ بِالْمَوَدَّةِ الَّتِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ «تَتَّخِذُوا» ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً لِقَصْدِ الْإِخْبَارِ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ أَوْ لِتَفْسِيرِ مُوَالَاتِهِمْ إِيَّاهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ صِفَةً لِأَوْلِيَاءَ، وَجُمْلَةُ: وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ تُلْقُونَ، أَوْ مِنْ فَاعِلِ «لَا تَتَّخِذُوا» ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً لِبَيَانِ حَالِ الْكُفَّارِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ:
بِما جاءَكُمْ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ. وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيُّ وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: لما جاءكم باللام، أي: لأجل
(١) . الممتحنة: ١٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute