للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَسَخَّرَ لَهُ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ، وَمَنْ تَتَبَّعُ مَا يَسْقُطُ مِنَ السُّفْرَةِ غُفِرَ لَهُ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ أَهْلُ قَرْيَةٍ أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْخُبْزِ فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجُوعَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «١» فِي قَوْلِهِ: أَوَلَمْ يَهْدِ قَالَ: أَوَلَمْ نبين. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد ابن حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها قَالَ: المشركون.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٠١ الى ١٠٢]

تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (١٠١) وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (١٠٢)

قَوْلُهُ: تِلْكَ الْقُرى أي: التي أهلكناها، وهي قرى قوم نوح وهود وَصَالِحٍ وَلُوطٍ وَشُعَيْبٍ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا نَقُصُّ عَلَيْكَ أَيْ: نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها أَيْ: مِنْ أَخْبَارِهَا، وَهَذِهِ تَسْلِيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَنَقُصُّ إِمَّا فِي مَحَلِّ نَصْبٍ على أنه حال، وتِلْكَ الْقُرى مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، أَوْ يَكُونُ فِي مَحَلِّ رفع على أنه الخبر، والْقُرى صِفَةٌ لِتِلْكَ، وَمِنْ فِي مِنْ أَنْبائِها لِلتَّبْعِيضِ، أَيْ: نَقُصُّ عَلَيْكَ بَعْضَ أَنْبَائِهَا، وَاللَّامُ فِي لَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ جَوَابُ الْقَسَمِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ مِنْ أَخْبَارِهِمْ أَنَّهَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُ اللَّهِ بِبَيِّنَاتِهِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي قِصَصِ الْأَنْبِيَاءِ الْمَذْكُورِينَ قَبْلَ هَذَا فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا عِنْدَ مَجِيءِ الرُّسُلِ بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ مَجِيئِهِمْ، أَوْ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا جَاءَتْهُمْ بِهِ الرُّسُلُ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ وَلَا فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ بِمَا كَذَّبُوا بِهِ قَبْلِ مَجِيئِهِمْ، بَلْ هُمْ مُسْتَمِرُّونَ عَلَى الْكُفْرِ، مُتَشَبِّثُونَ بِأَذْيَالِ الطُّغْيَانِ دَائِمًا، وَلَمْ يَنْجَعْ فِيهِمْ مَجِيءُ الرُّسُلِ وَلَا ظَهَرَ لَهُ أَثَرٌ، بَلْ حَالُهُمْ عِنْدَ مَجِيئِهِمْ كَحَالِهِمْ قَبْلَهُ وَقِيلَ الْمَعْنَى: فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بَعْدَ هَلَاكِهِمْ بِمَا كَذَّبُوا بِهِ لَوْ أَحْيَيْنَاهُمْ، كَقَوْلِهِ: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا وَقِيلَ: سَأَلُوا الْمُعْجِزَاتِ، فَلَمَّا رَأَوْهَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلِ رُؤْيَتِهَا. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَمَعْنَى تَكْذِيبِهِمْ قَبْلَ مَجِيءِ الرُّسُلِ:

أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُكَذِّبُونَ بِكُلِّ مَا سَمِعُوا بِهِ مِنْ إِرْسَالِ الرُّسُلِ، وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ. قَوْلُهُ: كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ أَيْ: مِثْلَ ذَلِكَ الطَّبْعِ الشَّدِيدِ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ، فَلَا يَنْجَعُ فِيهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَعْظٌ وَلَا تَذْكِيرٌ وَلَا تَرْغِيبٌ وَلَا تَرْهِيبٌ. قَوْلُهُ وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِ الْقُرَى الْمَذْكُورِينَ سَابِقًا، أَيْ: مَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِ أَهْلِ هَذِهِ الْقُرَى مِنْ عَهْدٍ، أَيْ: عَهْدٍ يُحَافِظُونَ عَلَيْهِ وَيَتَمَسَّكُونَ بِهِ، بَلْ دَأْبُهُمْ نَقْضُ الْعُهُودِ فِي كُلِّ حَالٍ وَقِيلَ: الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ عَلَى الْعُمُومِ أَيْ:

مَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِ النَّاسِ مِنْ عَهْدٍ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْعَهْدِ: هُوَ الْمَأْخُوذُ عَلَيْهِمْ فِي عَالَمِ الذَّرِّ وَقِيلَ: الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى الْكُفَّارِ عَلَى الْعُمُومِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِأَهْلِ الْقُرَى أَيِ: الْأَكْثَرُ مِنْهُمْ لَا عَهْدَ وَلَا وَفَاءَ، والقليل منهم قد يفي


(١) . في ابن جرير الطبري (٩/ ٧) : أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد ...

<<  <  ج: ص:  >  >>