للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَعْنَى إِلَّا، أَيْ: مَا كَلُّ ذَلِكَ إِلَّا شَيْءٌ يُتَمَتَّعُ بِهِ فِي الدُّنْيَا. وَقَرَأَ أَبُو رَجَاءٍ بِكَسْرِ اللَّامِ مِنْ «لَمَّا» عَلَى أَنَّ اللام للعلة وما موصولة والعائدة مَحْذُوفٌ، أَيْ: لِلَّذِي هُوَ مَتَاعٌ وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ أَيْ: لِمَنِ اتَّقَى الشِّرْكَ وَالْمَعَاصِيَ وَآمَنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَعَمِلَ بِطَاعَتِهِ، فَإِنَّهَا الْبَاقِيَةُ الَّتِي لَا تَفْنَى، وَنَعِيمُهَا الدَّائِمُ الَّذِي لَا يَزُولُ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ قَالَ: عَلَى دِينٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْهُ وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي عَقِبِهِ قَالَ: عَقِبُ إِبْرَاهِيمَ وَلَدُهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ مَا الْقَرْيَتَانِ؟ قَالَ: الطَّائِفُ وَمَكَّةُ، قِيلَ: فَمَنِ الرَّجُلَانِ؟ قَالَ: عُمَيْرُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَخِيَارُ قُرَيْشٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: يَعْنِي بِالْقَرْيَتَيْنِ مَكَّةَ وَالطَّائِفَ، وَالْعَظِيمُ: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْقُرَشِيُّ وَحَبِيبُ بْنُ عُمَيْرٍ الثَّقَفِيُّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْآيَةِ قال:

يعنون أشرف من محمد الوليد بْنِ الْمُغِيرَةِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَمَسْعُودِ بْنِ عَمْرٍو الثَّقَفِيِّ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أيضا في قوله: لَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً الْآيَةَ يَقُولُ:

لولا أن أجعل النَّاسَ كُلَّهُمْ كُفَّارًا لَجَعَلْتُ لِبُيُوتِ الْكُفَّارِ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ مِنْ فِضَّةٍ، وَهِيَ دَرَجٌ عليها يصعدون إلى الغرف وسرر فضة، زُخْرُفًا: وَهُوَ الذَّهَبُ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ ماجة عن سهل ابن سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى مِنْهَا كَافِرًا شَرْبَةَ ماء» .

[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٣٦ الى ٤٥]

وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠)

فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤) وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)

قَوْلُهُ: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ يُقَالُ عَشَوْتُ إِلَى النَّارِ: قَصَدْتُهَا، وَعَشَوْتُ عَنْهَا: أَعْرَضْتُ عَنْهَا، كَمَا تَقُولُ: عَدَلْتُ إِلَى فُلَانٍ، وَعَدَلْتُ عَنْهُ، وَمِلْتُ إِلَيْهِ، وَمِلْتُ عَنْهُ، كَذَا قَالَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ وَأَبُو الْهَيْثَمِ وَالْأَزْهَرِيُّ. فَالْمَعْنَى: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ الْرَّحْمَنِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ مَنْ أَعْرَضَ عَنِ الْقُرْآنِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْحِكْمَةِ إِلَى أَبَاطِيلِ الْمُضِلِّينَ يُعَاقِبُهُ اللَّهُ بِشَيْطَانٍ يُقَيِّضُهُ لَهُ حَتَّى يُضِلَّهُ وَيُلَازِمَهُ قَرِينًا لَهُ، فَلَا يَهْتَدِي مُجَازَاةً لَهُ حِينَ آثَرَ الْبَاطِلَ عَلَى الْحَقِّ الْبَيِّنِ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْعَشْوُ النَّظَرُ الضعيف، ومنه:

لنعم الفتى يعشو إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ ... إِذَا الرِّيحُ هَبَّتْ وَالْمَكَانُ جديب

<<  <  ج: ص:  >  >>