للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ قَالَ: النَّبِيِّينَ: الرُّسُلِ، وَالشُّهَدَاءِ: الَّذِينَ يَشْهَدُونَ لَهُمْ بِالْبَلَاغِ لَيْسَ فِيهِمْ طَعَّانٌ وَلَا لَعَّانٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ: يَشْهَدُونَ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وتكذيب الأمم إياهم.

[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٧٣ الى ٧٥]

وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (٧٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٧٤) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٧٥)

لَمَّا ذَكَرَ فِيمَا تَقَدَّمَ حَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَسَوْقَهُمْ إِلَى جَهَنَّمَ، ذَكَرَ هُنَا حَالَ الْمُتَّقِينَ وَسَوْقَهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ فَقَالَ:

وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً أَيْ سَاقَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ سَوْقَ إِعْزَازٍ وَتَشْرِيفٍ وَتَكْرِيمٍ. وَقَدْ سَبَقَ بيان معنى الزمر حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها جَوَابُ إِذَا مَحْذُوفٌ. قَالَ الْمُبَرِّدُ تَقْدِيرُهُ: سَعِدُوا وَفُتِحَتْ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

فَلَوْ أَنَّهَا نَفْسٌ تَمُوتُ جَمِيعَةً ... وَلَكِنَّهَا نَفْسٌ تُسَاقِطُ أَنْفُسَا

فَحُذِفَ جَوَابُ لَوْ، وَالتَّقْدِيرُ: لَكَانَ أَرْوَحَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْقَوْلُ عِنْدِي أَنَّ الْجَوَابَ مَحْذُوفٌ عَلَى تَقْدِيرِ:

حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا، وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي ذُكِرَتْ دَخَلُوهَا فَالْجَوَابُ دَخَلُوهَا وَحُذِفَ لِأَنَّ فِي الْكَلَامِ دَلِيلًا عَلَيْهِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ وَالْكُوفِيُّونَ: الْجَوَابُ فُتِحَتْ وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ، وَهُوَ خَطَأٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، لِأَنَّ الْوَاوَ مِنْ حُرُوفِ الْمَعَانِي فَلَا تُزَادُ. وَقِيلَ: إِنَّ زِيَادَةَ الْوَاوِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَبْوَابَ فُتِحَتْ لَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا لِكَرَامَتِهِمْ عَلَى اللَّهِ، وَالتَّقْدِيرُ: حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَأَبْوَابُهَا مُفَتَّحَةٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ «١» وَحُذِفَتِ الْوَاوُ فِي قِصَّةِ أَهْلِ النَّارِ، لِأَنَّهُمْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ وَفُتِحَتْ بَعْدَ وُقُوفِهِمْ إِذْلَالًا وَتَرْوِيعًا. ذَكَرَ مَعْنَاهُ النَّحَّاسُ مَنْسُوبًا إِلَى بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَبَقَهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَكُونُ الْوَاوُ وَاوَ الْحَالِ بِتَقْدِيرِ قَدْ، أَيْ: جَاءُوهَا وَقَدْ فُتِحَتْ لَهُمُ الْأَبْوَابُ. وَقِيلَ: إِنَّهَا وَاوُ الثَّمَانِيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ فِي الْعَدَدِ: خَمْسَةٌ سِتَّةٌ سَبْعَةٌ وَثَمَانِيَةٌ، وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي هَذَا فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ مُسْتَوْفًى، وَفِي سُورَةِ الْكَهْفِ أَيْضًا. ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ خَزَنَةَ الْجَنَّةِ يُسَلِّمُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ أي:

سلامة لَكُمْ مِنْ كُلِّ آفَةٍ طِبْتُمْ فِي الدُّنْيَا فَلَمْ تَتَدَنَّسُوا بِالشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي. قَالَ مُجَاهِدٌ: طِبْتُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَقِيلَ: بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. قَالَ مُقَاتِلٌ: إِذَا قَطَعُوا جِسْرَ جَهَنَّمَ حُبِسُوا عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَطُيِّبُوا قَالَ لَهُمْ رِضْوَانُ وَأَصْحَابُهُ سَلامٌ عَلَيْكُمْ الْآيَةَ فَادْخُلُوها أَيِ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ خالِدِينَ أَيْ: مُقَدِّرِينَ الْخُلُودَ فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْجَنَّةِ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ بِالْبَعْثِ وَالثَّوَابِ بِالْجَنَّةِ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ أَيْ: أَرْضَ الْجَنَّةِ كَأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ غَيْرِهِمْ إِلَيْهِمْ فَمَلَكُوهَا، وَتَصَرَّفُوا فِيهَا، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ وَرِثُوا الْأَرْضَ الَّتِي كَانَتْ لأهل النار لو كانوا


(١) . ص: ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>