وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أَيْ: بِضَمَائِرِ الصُّدُورِ وَمَكْنُونَاتِهَا، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ خَافِيَةٌ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسأله خادما، فقال قولي: «اللهم ربّ السموات السَّبْعِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، وَرَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، مُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الفقر» . وأخرج أحمد ومسلم وغير هما مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَرْفُوعًا مِثْلَ هَذَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَسْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ وَتَفْسِيرِهَا. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ يَسْأَلُونَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَقُولُوا: هَذَا اللَّهُ كَانَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، فَمَاذَا كَانَ قَبْلَ اللَّهِ؟ فَإِنْ قَالُوا لَكُمْ ذَلِكَ فَقُولُوا: هُوَ الْأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، وَهُوَ الظَّاهِرُ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ الْبَاطِنُ دُونَ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» . وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ: مَا شَيْءٌ أَجِدُهُ فِي صَدْرِي، قَالَ: مَا هُوَ؟ قُلْتُ:
وَاللَّهِ لَا أَتَكَلَّمُ بِهِ، قَالَ: فَقَالَ لِي: أَشَيْءٌ مِنْ شَكٍّ؟ قَالَ: وَضَحِكَ، قَالَ: مَا نَجَا مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ، قَالَ:
حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ «١» الْآيَةَ قَالَ: وَقَالَ لِي: إِذَا وَجَدْتَ فِي نَفْسِكَ شَيْئًا فَقُلْ: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ قال: عالم بكم أينما كنتم.
[سورة الحديد (٥٧) : الآيات ٧ الى ١١]
آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) وَما لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٩) وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٠) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١١)
قَوْلُهُ: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أَيْ: صَدِّقُوا بِالتَّوْحِيدِ وَبِصِحَّةِ الرِّسَالَةِ، وَهَذَا خِطَابٌ لِكُفَّارِ الْعَرَبِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلْجَمِيعِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ بِالْإِيمَانِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ الِاسْتِمْرَارُ عَلَيْهِ، أَوِ الِازْدِيَادُ مِنْهُ. ثُمَّ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ أَمَرَهُمْ بِالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ: وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ أَيْ:
جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمْلِكُوهُ حَقِيقَةً، فَإِنَّ الْمَالَ مَالُ اللَّهِ وَالْعِبَادَ خُلَفَاءُ اللَّهِ فِي أَمْوَالِهِ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَصْرِفُوهَا فِيمَا يُرْضِيهِ. وَقِيلَ: جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِمَّنْ تَرِثُونَهُ، وَسَيَنْتَقِلُ إِلَى غَيْرِكُمْ مِمَّنْ يَرِثُكُمْ،
(١) . يونس: ٩٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute