للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: يَحْمِلُ اللَّيْلَ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ قَالَ: عَلَقَةً، ثُمَّ مُضْغَةً، ثُمَّ عِظَامًا فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ البطن، والرحم، والمشيمة.

[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٧ الى ١٢]

إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧) وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (٨) أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (٩) قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (١٠) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (١١)

وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢)

لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ النِّعَمَ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ، وَبَيَّنَ لَهُمْ مِنْ بَدِيعِ صُنْعِهِ، وَعَجِيبِ فِعْلِهِ مَا يُوجِبُ عَلَى كُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يُؤْمِنَ بِهِ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ أَيْ: غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْكُمْ وَلَا إِلَى إِيمَانِكُمْ وَلَا إِلَى عِبَادَتِكُمْ لَهُ فَإِنَّهُ الغنيّ المطلق، وَمع كَوْنِ كُفْرِ الْكَافِرِ لَا يَضُرُّهُ كَمَا أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ إِيمَانُ الْمُؤْمِنِ، فَهُوَ أَيْضًا لَا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ أَيْ: لَا يَرْضَى لِأَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ الْكُفْرَ وَلَا يُحِبُّهُ وَلَا يَأْمُرُ بِهِ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ: إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ «١» وَمِثْلُهَا مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: «يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى قَلْبِ أَفْجَرِ رَجُلٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا» .

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هَلْ هِيَ عَلَى عُمُومِهَا، وَإِنَّ الْكُفْرَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، أَوْ هِيَ خَاصَّةٌ؟ وَالْمَعْنَى: لَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْكُفْرَ، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى التَّخْصِيصِ حَبْرِ الْأُمَّةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ آخِرَ الْبَحْثِ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ عِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمَا.

ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْآيَةِ اخْتِلَافًا آخَرَ. فَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّهُ يُرِيدُ كُفْرَ الْكَافِرِ وَلَا يَرْضَاهُ، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهُ لَا يُرِيدُهُ وَلَا يَرْضَاهُ، وَالْكَلَامُ فِي تَحْقِيقِ مِثْلِ هَذَا يَطُولُ جِدًّا. وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِتَخْصِيصِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَالْمُثْبِتُونَ لِلْإِرَادَةِ مَعَ عَدَمِ الرِّضَا بِمَا ثَبَتَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ «٢» وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ «٣» وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «٤» وَنَحْوُ هَذَا مِمَّا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ. ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ بَيَّنَ أَنَّهُ يَرْضَى لَهُمُ الشُّكْرَ، فَقَالَ: وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ أَيْ:

يَرْضَى لَكُمُ الشُّكْرَ الْمَدْلُولَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وإن تشكروا ويثيبكم عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا رَضِيَ لَهُمْ سُبْحَانَهُ الشُّكْرَ لِأَنَّهُ سَبَبُ سَعَادَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَمَا قَالَ سبحانه لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ «٥» قرأ أبو جعفر، وأبو عمرو، وشيبة،


(١) . إبراهيم: ٨.
(٢) . الرعد: ٢٧.
(٣) . يونس: ٢٥.
(٤) . الإنسان: ٣٠.
(٥) . إبراهيم: ٧. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>