أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عُقْبَةَ قَالَ: قَالَ شُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ: طَالَ رِبَاطُنَا وَإِقَامَتُنَا عَلَى حِصْنٍ بِأَرْضِ الرُّومِ، فَمَرَّ بِي سَلْمَانُ يَعْنِي الْفَارِسِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ الصَّحَابِيِّ أَنَّهُ كَانَ بِرُودِسَ، فَمَرُّوا بِجِنَازَتَيْنِ أَحَدُهُمَا قَتِيلٌ وَالْآخَرُ مُتَوَفًّى، فَمَالَ النَّاسُ عَنِ القتيل، فقال فضالة: مالي أَرَى النَّاسَ مَالُوا مَعَ هَذَا وَتَرَكُوا هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا الْقَتِيلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أُبَالِي مِنْ أَيْ حُفْرَتَيْهِمَا بُعِثْتُ، اسْمَعُوا كِتَابَ اللَّهِ وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا الْآيَةَ. وَإِسْنَادُهُ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ هَكَذَا: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ بِشْرٍ، أَخْبَرَنِي ضِمَامٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا قُبَيْلٍ وَرَبِيعَةَ بْنَ سَيْفٍ الْمُغَافِرِيَّ يَقُولَانِ: كُنَّا بِرُودُسَ وَمَعَنَا فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ. قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ «١» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُقَاتِلٍ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً فِي لَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنَ الْمُحَرَّمِ فَلَقَوُا الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: قَاتِلُوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُمْ يُحَرِّمُونَ الْقِتَالَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَإِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ نَاشَدُوهُمْ وَذَكَّرُوهُمْ بِاللَّهِ أَنْ يَعْرِضُوا لِقِتَالِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَسْتَحِلُّونَ الْقِتَالَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ إِلَّا مَنْ بَادَأَهُمْ، وإن المشركين بدءوا فَقَاتَلُوهُمْ، فَاسْتَحَلَّ الصَّحَابَةُ قِتَالُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ فَقَاتَلُوهُمْ وَنَصَرَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. وَهُوَ مُرْسَلٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ عاقَبَ الْآيَةَ قَالَ: تَعَاوَنَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ فَأَخْرَجُوهُ، فَوَعَدَهُ اللَّهُ أَنْ يَنْصُرَهُ، وَهُوَ فِي الْقِصَاصِ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ قَالَ: الشَّيْطَانُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ قَالَ: يَعُدُّ الْمُصِيبَاتِ وَيَنْسَى النِّعَمَ.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٦٧ الى ٧٢]
لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (٦٧) وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (٦٨) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٦٩) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٧٠) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٧١)
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٢)
عَادَ سُبْحَانَهُ إِلَى بَيَانِ أَمْرِ التَّكَالِيفِ مَعَ الزَّجْرِ لِمُعَاصِرِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ عَنْ مُنَازَعَتِهِ فَقَالَ:
لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً أَيْ: لِكُلِّ قَرْنٍ مِنَ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ وَضَعْنَا شَرِيعَةً خَاصَّةً، بِحَيْثُ لَا تَتَخَطَّى أُمَّةٌ مِنْهُمْ شَرِيعَتَهَا الْمُعَيَّنَةَ لَهَا إلى شريعة أخرى، وَجُمْلَةُ هُمْ ناسِكُوهُ صِفَةٌ لِمَنْسِكًا، وَالضَّمِيرُ لِكُلِّ أمة، أي:
(١) . النساء: ١٠٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute