للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا أَنْزَلَكَ بِهَذِهِ الْأَرْضِ؟ فَقَالَ: كُنَّا بِالشَّامِ فَقَرَأْتُ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ الْآيَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا هَذِهِ فِينَا، مَا هَذِهِ إِلَّا فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، قُلْتُ: إِنَّهَا لَفِينَا وَفِيهِمْ.

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٣٦ الى ٣٧]

إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (٣٦) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُواطِؤُا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٣٧)

قَوْلُهُ: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً هَذَا كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ يَتَضَمَّنُ ذِكْرَ نَوْعٍ آخَرَ مِنْ قَبَائِحِ الْكُفَّارِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا حَكَمَ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِحُكْمٍ خَاصٍّ غَيَّرُوا تِلْكَ الْأَوْقَاتَ بِالنَّسِيءِ وَالْكَبِيسَةِ، فَأَخْبَرَنَا اللَّهُ بِمَا هُوَ حُكْمُهُ فَقَالَ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ أَيْ: عَدَدِ شُهُورِ السَّنَةِ عِنْدَ اللَّهِ فِي حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ وَحِكْمَتِهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا. قَوْلُهُ: فِي كِتابِ اللَّهِ أَيْ: فِيمَا أَثْبَتَهُ فِي كِتَابِهِ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَعَلَّقَ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: عِدَّةَ الشُّهُورِ، لِلْفَصْلِ بِالْأَجْنَبِيِّ وَهُوَ الْخَبَرُ أَعْنِي اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فَقَوْلُهُ:

فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ: يَوْمَ خَلَقَ، بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: عِنْدَ اللَّهِ، وَالتَّقْدِيرُ: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ يوم خلق السّموات وَالْأَرْضَ. وَفَائِدَةُ الْإِبْدَالَيْنِ: تَقْرِيرُ الْكَلَامِ فِي الْأَذْهَانِ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ الْعَدَدَ وَاجِبٌ عِنْدَ اللَّهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَثَابِتٌ فِي عِلْمِهِ فِي أَوَّلِ مَا خَلْقَ اللَّهُ الْعَالَمَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ:

صِفَةُ اثْنَا عَشَرَ: أَيِ: اثْنَا عَشَرَ مُثْبَتَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَهُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَضَعَ هَذِهِ الشُّهُورَ وَسَمَّاهَا بِأَسْمَائِهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ الْمَعْرُوفِ يوم خلق السموات وَالْأَرْضَ، وَأَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَنَزَلَتْ بِهِ الْكُتُبُ، وَأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمَا عِنْدَ الْعَجَمِ وَالرُّومِ وَالْقِبْطِ مِنَ الشُّهُورِ الَّتِي يَصْطَلِحُونَ عَلَيْهَا وَيَجْعَلُونَ بَعْضَهَا ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَبَعْضَهَا أَكْثَرَ، وَبَعْضَهَا أَقَلَّ. قَوْلُهُ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ هي: ذي الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ، ثَلَاثَةٌ سَرْدٌ، وَوَاحِدٌ فَرْدٌ، كَمَا وَرَدَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ. قَوْلُهُ: ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ أَيْ: كَوْنُ هَذِهِ الشُّهُورِ كَذَلِكَ، وَمِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، هُوَ الدِّينُ الْمُسْتَقِيمُ، وَالْحِسَابُ الصَّحِيحُ، وَالْعَدَدُ الْمُسْتَوْفَى. قَوْلُهُ: فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ أَيْ: فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، بِإِيقَاعِ الْقِتَالِ فِيهَا، وَالْهَتْكِ لِحُرْمَتِهَا وَقِيلَ: إِنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إِلَى الشُّهُورِ كُلِّهَا الْحُرُمِ وَغَيْرِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ نَهَى عَنِ الظُّلْمِ فِيهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ثَابِتٌ مُحْكَمٌ لَمْ يُنْسَخْ لهذه الآية، ولقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ «١» وَلِقَوْلِهِ: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ الْآيَةَ.

وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السيف. ويجاب عنه بأن الأمر


(١) . المائدة: ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>