رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ قَالَ: كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَلَكِنْ سَأَلَاهُ الثَّبَاتَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: مُخْلِصَيْنِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا قَالَ: يَعْنِيَانِ الْعَرَبَ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنَا مَنَاسِكَنَا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَأَتَى بِهِ الْبَيْتَ فَقَالَ: ارْفَعِ الْقَوَاعِدَ، فَرَفَعَ الْقَوَاعِدَ، وَأَتَمَّ الْبُنْيَانَ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ فَأَخْرَجَهُ فَانْطَلَقَ بِهِ نَحْوَ مِنًى، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ فَإِذَا إِبْلِيسُ قَائِمٌ عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَقَالَ: كَبِّرْ وَارْمِهِ، فَكَبَّرَ وَرَمَاهُ، فَذَهَبَ إِبْلِيسُ، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى فَفَعَلَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ كَمَا فَعَلَ فِي الْأُولَى، ثُمَّ كَذَلِكَ فِي الْجَمْرَةِ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ أَخَذَ جِبْرِيلُ بِيَدِ إِبْرَاهِيمَ حَتَّى أَتَى بِهِ الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَقَالَ: هَذَا الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ، ثُمَّ ذَهَبَ حَتَّى أَتَى بِهِ عَرَفَاتٍ، قَالَ: وَقَدْ عَرَفْتَ مَا أَرَيْتُكَ؟ قَالَهَا ثَلَاثًا، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، قَالَ: كَيْفَ أُؤَذِّنُ؟ قَالَ: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَأَجَابَ الْعِبَادُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، فَمَنْ أَجَابَ إِبْرَاهِيمَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْخَلْقِ فَهُوَ حَاجٌّ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عليّ قال: فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ قَالَ: قَدْ فعلت أي ربّ! ف أَرِنا مَناسِكَنا أَبْرِزْهَا لَنَا، عَلِّمْنَاهَا، فَبَعَثَ اللَّهُ جِبْرِيلَ فَحَجَّ بِهِ. وَفِي الْبَابِ آثَارٌ كَثِيرَةٌ عَنِ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ تَتَضَمَّنُ أَنَّ جِبْرِيلَ أَرَى إِبْرَاهِيمَ الْمَنَاسِكَ، وَفِي أَكْثَرِهَا أَنَّ الشَّيْطَانَ تَعَرَّضَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ مُجَاهِدٍ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ عَنْهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي حاتم، والبيهقي.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٢٩ الى ١٣٢]
رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩) وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠) إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٣١) وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢)
الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: وَابْعَثْ فِيهِمْ رَاجِعٌ إِلَى الْأُمَّةِ الْمُسْلِمَةِ الْمَذْكُورَةِ سَابِقًا. وَقَرَأَ أُبَيٌّ وَابْعَثْ فِي آخِرِهِمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا إِلَى الذُّرِّيَّةِ. وَقَدْ أَجَابَ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذِهِ الدَّعْوَةَ، فَبَعَثَ فِي ذُرِّيَّتِهِ رَسُولًا مِنْهُمْ وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ كَمَا سَيَأْتِي تَخْرِيجُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَمُرَادُهُ هَذِهِ الدَّعْوَةُ. وَالرَّسُولُ: هُوَ الْمُرْسَلُ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ:
نَاقَةٌ مِرْسَالٌ وَرَسْلَةٌ: إِذَا كَانَتْ سَهْلَةَ السَّيْرِ مَاضِيَةً أَمَامَ النُّوقِ. وَيُقَالُ: جَاءَ الْقَوْمُ أَرْسَالًا، أَيْ: بَعْضُهُمْ فِي أَثَرِ بَعْضٍ، وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ: الْقُرْآنُ. وَالْمُرَادُ بِالْحِكْمَةِ: الْمَعْرِفَةُ بِالدِّينِ، وَالْفِقْهُ فِي التَّأْوِيلِ، وَالْفَهْمُ لِلشَّرِيعَةِ. وقوله: يُزَكِّيهِمْ أَيْ: يُطَهِّرُهُمْ مِنَ الشِّرْكِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي. وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَاتِ: ظَاهِرُ الْأَلْفَاظِ، وَالْكِتَابُ: مَعَانِيهَا، وَالْحِكْمَةُ: الْحُكْمُ، وَهُوَ مُرَادُ اللَّهِ بِالْخِطَابِ. وَالْعَزِيزُ: الَّذِي لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، قَالَهُ ابْنُ كَيْسَانَ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: الْعَزِيزُ: الْغَالِبُ وَمَنْ يَرْغَبُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ. وَقَوْلُهُ: إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ، وَقِيلَ: هُوَ بَدَلٌ مِنْ فَاعِلِ يَرْغَبُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute