أَيْ: عَنْ ذِكْرِهِ سُبْحَانَهُ فَلَا يَذْكُرُونَهُ وَلَا يخطر بِبَالِهِمْ، بَلْ يُعْرِضُونَ عَنْهُ، أَوْ عَنِ الْقُرْآنِ، أَوْ عَنْ مَوَاعِظِ اللَّهِ، أَوْ عَنْ مَعْرِفَتِهِ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا «أَمْ» هِيَ الْمُنْقَطِعَةُ الَّتِي بِمَعْنَى بَلْ وَالْهَمْزَةُ، لِلْإِضْرَابِ وَالِانْتِقَالِ عَنِ الْكَلَامِ السَّابِقِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى بَيَانِ جَهْلِهِمْ بِحِفْظِهِ سُبْحَانَهُ إِيَّاهُمْ إِلَى تَوْبِيخِهِمْ وَتَقْرِيعِهِمْ بِاعْتِمَادِهِمْ عَلَى مَنْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ نَفْعِ نَفْسِهِ، وَالدَّفْعِ عَنْهَا. وَالْمَعْنَى: بَلْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ عَذَابِنَا. وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالتَّقْدِيرُ: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ مِنْ دُونِنَا تَمْنَعُهُمْ. ثُمَّ وَصَفَ آلِهَتَهُمْ هَذِهِ الَّتِي زَعَمُوا أَنَّهَا تَنْصُرُهُمْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الضَّعْفِ وَالْعَجْزِ، فَقَالَ: لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ أَيْ: هُمْ عَاجِزُونَ عَنْ نَصْرِ أَنْفُسِهِمْ فَكَيْفَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْصُرُوا غَيْرَهُمْ «وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ» ، أَيْ: وَلَا هُمْ يُجَارُونَ مِنْ عَذَابِنَا. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أَيْ: لَا يُجِيرُهُمْ مِنَّا أَحَدٌ لِأَنَّ الْمُجِيرَ صَاحِبُ الْجَارِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: صَحِبَكَ اللَّهُ، أَيْ: حَفِظَكَ وَأَجَارَكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ مُتَعَوِّذًا ... لِيُصْحَبَ مِنَّا وَالرِّمَاحُ دَوَانِي
تَقُولُ الْعَرَبُ: أَنَا لَكَ جَارٌ وَصَاحِبٌ مِنْ فُلَانٍ، أَيْ: مُجِيرٌ مِنْهُ. قَالَ الْمَازِنِيُّ: هُوَ مِنْ أَصْحَبْتُ الرَّجُلَ إِذَا مَنَعْتَهُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: «مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم على أبي سفيان وأبي جهل وهما يَتَحَدَّثَانِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو جَهْلٍ ضَحِكَ وَقَالَ لأبي سفيان: هذا نبيّ عَبْدِ مَنَافٍ، فَغَضِبَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: مَا تُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ نَبِيٌّ؟! فسمعها النبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَرَجَعَ إِلَى أَبِي جَهْلٍ فَوَقَعَ بِهِ وَخَوَّفَهُ وَقَالَ: مَا أَرَاكَ مُنْتَهِيًا حَتَّى يُصِيبَكَ مَا أَصَابَ عَمَّكَ، وَقَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ: أَمَّا إِنَّكَ لَمْ تَقُلْ مَا قُلْتَ إِلَّا حَمِيَّةً» فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا. قُلْتُ: يَنْظُرُ مَنِ الَّذِي رَوَى عَنْهُ السُّدِّيُّ؟. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَمَّا نُفِخَ فِي آدَمَ الرُّوحَ صَارَ فِي رَأْسِهِ فَعَطَسَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَالَتْ: الْمَلَائِكَةُ، يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَذَهَبَ لِيَنْهَضَ قَبْلَ أَنْ تَمُورَ فِي رِجْلَيْهِ فَوَقَعَ، فَقَالَ اللَّهُ: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ وَقَدْ أَخْرَجَ نَحْوَ هَذَا ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ أَيْضًا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَكَذَا أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ قَالَ:
يَحْرُسُكُمْ، وَفِي قَوْلُهُ: وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ قَالَ: لَا يُنْصَرُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ قَالَ: لَا يُجَارُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ فِي الْآيَةِ:
قَالَ: لَا يمنعون.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٤٤ الى ٥٦]
بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (٤٤) قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا مَا يُنْذَرُونَ (٤٥) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٤٦) وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (٤٨)
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (٤٩) وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٠) وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (٥٢) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (٥٣)
قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٥٤) قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (٥٥) قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute