للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: بِدِرْعِكَ، وَكَانَ دِرْعُهُ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ يُلَاقِي فيها الحروب.

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٩٣ الى ١٠٠]

وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٩٣) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤) وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٩٧)

فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (٩٨) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (١٠٠)

قَوْلُهُ: وَلَقَدْ بَوَّأْنا هَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا عَدَّدَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمَعْنَى بَوَّأْنَا: أَسْكَنَّا، يُقَالُ بَوَّأْتُ زَيْدًا مَنْزِلًا: أَسْكَنْتُهُ فِيهِ، وَالْمُبَوَّأُ: اسْمُ مَكَانٍ أَوْ مَصْدَرٌ، وَإِضَافَتُهُ إِلَى الصِّدْقِ عَلَى مَا جَرَتْ عَلَيْهِ قَاعِدَةُ الْعَرَبِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا مَدَحُوا شَيْئًا أَضَافُوهُ إِلَى الصِّدْقِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا: الْمَنْزِلُ الْمَحْمُودُ الْمُخْتَارُ، قِيلَ: هُوَ أَرْضُ مِصْرَ، وَقِيلَ: الْأُرْدُنُّ وَفِلَسْطِينُ، وَقِيلَ: الشَّامُ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَيِ: الْمُسْتَلَذَّاتِ مِنَ الرِّزْقِ فَمَا اخْتَلَفُوا فِي أَمْرِ دِينِهِمْ وَتَشَعَّبُوا فِيهِ شُعَبًا بعد ما كَانُوا عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرِ مُخْتَلِفَةٍ حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ أَيْ: لَمْ يَقَعْ مِنْهُمُ الِاخْتِلَافُ في الدين إلا بعد ما جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بِقِرَاءَتِهِمُ التَّوْرَاةَ وَعِلْمِهِمْ بِأَحْكَامِهَا، وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْأَخْبَارِ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ- وَقِيلَ الْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ، وَهُوَ: الْقُرْآنُ النَّازِلُ عَلَى نَبِيِّنَا صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَاخْتَلَفُوا فِي نَعْتِهِ وَصِفَتِهِ، وَآمَنَ بِهِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ، وَكَفَرَ بِهِ مَنْ كَفَرَ. فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمُخْتَلِفِينَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: هُمُ الْيَهُودُ بَعْدَ أَنْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِمُ التَّوْرَاةُ وَعَلِمُوا بِهَا، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي: هُمُ الْيَهُودُ الْمُعَاصِرِينَ لمحمد صلّى الله عليه وَسَلَّمَ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ فَيُجَازِي الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ، وَالْمُحِقَّ بِعَمَلِهِ بِالْحَقِّ، وَالْمُبْطِلَ بِعَمَلِهِ بِالْبَاطِلِ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الشَّكُّ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ: ضَمُّ الشَّيْءِ بَعْضِهِ إِلَى بَعْضٍ، وَمِنْهُ شَكُّ الْجَوْهَرِ فِي الْعُقْدِ، وَالشَّاكُّ كَأَنَّهُ يَضُمُّ إِلَى مَا يَتَوَهَّمُهُ شَيْئًا آخَرَ خِلَافَهُ فَيَتَرَدَّدُ وَيَتَحَيَّرُ، وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ، كَمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. قَالَ أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الزَّاهِدُ: سَمِعْتُ الْإِمَامَيْنِ ثَعْلَبًا وَالْمُبَرِّدَ يَقُولَانِ: مَعْنَى فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ أَيْ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْكَافِرِ: فَإِنْ كُنْتَ في شك: فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ يَعْنِي: مُسْلِمِي أَهْلِ الْكِتَابِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَمْثَالِهِ، وَقَدْ كَانَ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ يَعْتَرِفُونَ لِلْيَهُودِ بِالْعِلْمِ وَيُقِرُّونَ بِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْهُمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ نَبِيَّهُ أَنْ يُرْشِدَ الشَّاكِّينَ فِيمَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ أَنْ يَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ الَّذِينَ قَدْ أَسْلَمُوا، فَإِنَّهُمْ سَيُخْبِرُونَهُمْ بِأَنَّهُ كِتَابُ اللَّهِ حَقًّا، وَأَنَّ هَذَا رَسُولُهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>