للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهَا فَتَسْتَأْذِنُ فِي الرُّجُوعِ فَيَأْذَنُ لَهَا، وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا اطْلُعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا، ثُمَّ قَرَأَ «ذَلِكَ مُسْتَقَرٌّ لَهَا» وَذَلِكَ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ النُّجُومِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ الْآيَةَ قَالَ: هِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ مَنْزِلًا يَنْزِلُهَا الْقَمَرُ فِي كُلِّ شَهْرٍ: أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْهَا شَامِيَّةٌ، وأربعة عشر منها يمانية، أولها الشرطين وَالْبَطِينُ وَالثُّرَيَّا وَالدَّبَرَانُ وَالْهَقْعَةُ وَالْهَنْعَةُ وَالذِّرَاعُ وَالنَّثْرَةُ والطرف والجبهة والدبرة وَالصَّرْفَةُ وَالْعَوَّاءُ وَالسِّمَاكُ، وَهُوَ آخِرُ الشَّامِيَّةِ، وَالْغَفْرُ والزبانا وَالْإِكْلِيلُ وَالْقَلْبُ وَالشَّوْلَةُ وَالنَّعَائِمُ وَالْبَلْدَةُ وَسَعْدُ الذَّابِحِ وَسَعْدُ بُلَعَ وَسَعْدُ السُّعُودِ وَسَعْدُ الْأَخْبِيَةِ وَمُقَدَّمُ الدَّلْوِ وَمُؤَخَّرُ الدَّلْوِ وَالْحُوتُ، وَهُوَ آخِرُ الْيَمَانِيَّةِ، فَإِذَا سَارَ هَذِهِ الثَّمَانِيَةَ وَعِشْرِينَ مَنْزِلًا عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ كَمَا كَانَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ: يَعْنِي أصل العذق العتيق.

[سورة يس (٣٦) : الآيات ٤١ الى ٥٤]

وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (٤٢) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٤٤) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥)

وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤٦) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) مَا يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠)

وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١) قالُوا يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٥٣) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٤)

ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَوْعًا آخَرَ مِمَّا امْتَنَّ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ مِنَ النِّعَمِ فَقَالَ: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ أَيْ: دَلَالَةٌ وَعَلَامَةٌ، وَقِيلَ مَعْنَى: آيَةٌ هُنَا: الْعِبْرَةُ، وَقِيلَ: النِّعْمَةُ، وَقِيلَ النِّذَارَةُ.

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ وَإِلَى مَنْ يَرْجِعُ الضَّمِيرُ، لِأَنَّ الضَّمِيرَ الْأَوَّلَ وَهُوَ قَوْلُهُ:

وَآيَةٌ لَهُمْ لِأَهْلِ مَكَّةَ، أَوْ لِكُفَّارِ الْعَرَبِ، أَوْ لِلْكُفَّارِ عَلَى الْإِطْلَاقِ الْكَائِنِينَ في عصر محمّد صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَقِيلَ:

الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ حَمَلَ ذُرِّيَّةَ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ، فَالضَّمِيرَانِ مُخْتَلِفَانِ. وَهَذَا حَكَاهُ النَّحَّاسُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَخْفَشِ. وَقِيلَ: الضَّمِيرَانِ لِكُفَّارِ مَكَّةَ وَنَحْوِهِمْ. وَالْمَعْنَى:

أَنَّ اللَّهَ حَمَلَ ذُرِّيَّاتِهِمْ مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَضُعَفَائِهِمْ عَلَى الْفُلْكِ، فَامْتَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، أَيْ: إِنَّهُمْ يَحْمِلُونَهُمْ مَعَهُمْ فِي السُّفُنِ إِذَا سَافَرُوا، أَوْ يَبْعَثُونَ أَوْلَادَهُمْ لِلتِّجَارَةِ لَهُمْ فِيهَا. وَقِيلَ: الذُّرِّيَّةُ الْآبَاءُ وَالْأَجْدَادُ، وَالْفُلْكُ: هُوَ سَفِينَةُ نُوحٍ أَيْ: إِنَّ اللَّهَ حَمَلَ آبَاءَ هَؤُلَاءِ وَأَجْدَادَهُمْ فِي سَفِينَةِ نُوحٍ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَالذُّرِّيَّةُ تَقَعُ عَلَى الْآبَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>